لدى انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان ينتظر الشعب بفارغ الفضول للتعرّف الى السيدة الأولى. هذه المرأة التي تعيش في ظلّ الرئيس، ولكنها تتولّى كمّاً من المهمات الاجتماعية والتنموية والإدارية. وفي نظرة خاطفة إلى تاريخ السيدات الأُوليات في لبنان، نعود بشريط سريع إلى أبرز إنجازاتهنّ وأهمّ الأدوار التي لعبنها خلال عهد أزواجهنّ.
في عهود رئاسية خلت، حضرت لبنانيات أوائل بفاعلية إلى جانب أزواجهنّ الرؤساء. نشاطاتهن العلنية اقتصرت على الصعيدين الاجتماعي والتنموي، فدعمن أعمالاً تربوية وفنّية وخيرية.
وغابت صورة أخريات عن الساحة الاجتماعية تماماً فلازمن بيوتهن ولم يذكرهن التاريخ سوى بالإسم وبصورة بالأسود والأبيض معلّقة على أحد حيطان غوغل، تنتظر مَن يبحث عنها.
إلّا أنّ جميع هذه السيدات أثّرن على الحياة العامة من وراء الكواليس، فكان لوقع حضورهنّ في حياة الرؤساء قدرة على قلب بعض المعادلات، وإن كانت بسيطة.
لور الخوري
كانت لور شيحا، زوجة الرئيس بشارة الخوري، أوّل لبنانية تحمل لقب السيدة الأولى بعد الاستقلال. هي أخت ميشال شيحا واضع الدستور اللبناني وقد أنجبت 3 أبناء. ولا يبدو أنّ السيدة لور لعبت دور بارزاً في عهد زوجها، إذ يندر الحديث عن إنجازاتها أو دورها الفاعل.
زلفا شمعون
لم تمرّ زلفا تابت زوجة الرئيس كميل شمعون، مرور الكرام في تاريخ لبنان، فهي لم تكتفِ بزواج الرئيس وإنجاب الأبناء والاهتمام بالدار، بل حجزت بنشاطاتها وإنجازاتها وفكرها مكاناً متقدِّماً على لائحة أبرز السيدات في لبنان والعالم العربي.
تركت بصمة في قلب زوجها الرئيس، وفي الذاكرة اللبنانية بعد أكثر من 45 عاماً على غيابها. شكلت مع الرئيس شمعون مثالاً للثنائي الناجح. وانطبقت عليها مقولة «وراءَ كلّ رجل عظيم امرأة»، فكانت وراءَ كلّ قرارات شمعون المصيرية.
عشقها للفنّ دفعها إلى دعم الفنون التشكيلية والمسرحية، وإلى تأسيس مهرجانات بعلبك الدولية، حتّى إنها حوّلت الطابق العلوي من قصر القنطاري الرئاسي إلى مشغل للخياطة، فأعدّت فيه الملابس الفولكلوريّة، التي خاطت معظمها بنفسها. بلغ تواضعها حدّ تحويل ثياب الرئيس العتيقة إلى ملابس لها. واهتمت بذوي الاحتياجات الخاصة، فأسست «الجمعية اللبنانية لإغاثة الضرير».
ووصل توقها إلى بذل ذاتها درجة تسليم الرئيس وصية قبل وفاتها طالبته فيها بمنح جثتها إلى أحد المعاهد العلميّة للإفادة منها في مجال البحوث، لتُحرق بعدها ويُنثر رمادها، إلّا أنّ الرئيس خالف هذه الوصية.
روز شهاب
بعد إنجازات «الست زلفا»، لم يَعرف اللبنانيون روز رونيه بواتيو زوجة الرئيس فؤاد شهاب. فقد غابت عن الساحة الإعلامية والاجتماعية خلال ولاية زوجها. عُرف الرئيس شهاب بصمته ولم يكن يحب الإعلام، وزوجته كذلك، فلم تظهر سوى نادراً خلال عهده. ولكنّ غيابها الإعلامي لم يُلغِ وقعها في حياته، ومَن قال إنها لم تكن حاكمة في الظل.
فهي مَن كانت لها الكلمة الفصل في تغيير مسار التاريخ عندما قرّر شهاب فجائياً الاستقالة من منصب رئاسة الجمهورية إثر عراقيل واجهته. تعاونت كبار الشخصيات آنذاك للضغط عليه حتّى يتراجع عن الاستقالة ومنها صائب سلام، رشيد كرامي، كمال جنبلاط، ريمون اده، صبري حماده، كامل الأسعد، بيار الجميل، البطريرك الماروني المعوشي بالإضافة إلى حشود شعبية.
وبعدما فشل كلّ هؤلاء في ثنيه عن الاستقالة، تمكّنت روز من حثّه على الاستجابة لمطلب النواب والشعب. فهو اختلى بها وسط هذه الأزمة وخرج معلناً تراجعه عن قراره.
نينا حلو
نينا طراد زوجة الرئيس شارل حلو، أوّل سيدة انخرطت في مجال المحاماة في لبنان. كانت ناشطة في المجال الاجتماعي والقانوني، ورائدة في الدفاع عن حقوق المرأة. أسّست وترأسّت أوّل جمعية للسيدات الجامعيات، وحرصت على إكمال وإنجاز قصر الرئاسة في بعبدا وعلى توسيع وترميم قصر بيت الدين.
إيريس فرنجية
ذاقت هذه السيدة الأولى لوعات السياسة في لبنان بعد اغتيال نجلها طوني وزوجته وابنته في إطار مجزرة إهدن عام 1978، وعاشت فترة حزن وحداد طويلة حتّى رحيلها عام 1995. لا تروي الكتب الكثير عن النشاطات الاجتماعية لهذه السيدة الأولى، التي أبقت منزل الرئيس فرنجية مفتوحاً، وكانت حاضنة مميّزة للقاعدة الشعبية، والساهرة على إرث العائلة وصورتها اللامعة في المجتمع.
صولانج الجميل
لم يتسنّ لصولانج توتنجي إثبات نفسها كسيدة أولى، فسرعان ما تمّ اغتيال بشير الجميل بعد 21 يوماً على انتخابه رئيساً وقبل تسلّمه مقاليد الحكم. ورثت صولانج قاعدة زوجها الشعبية، ودخلت البرلمان نائبة في دورة انتخابات عام 2005. ولكن ما لبثت أن تنازلت عن الترشح في انتخابات عام 2009 لصالح ابنها نديم لدى بلوغه السنّ المطلوبة ليصبح نائباً.
جويس الجميل
وقفت جويس تيان إلى جانب زوجها الرئيس أمين الجمل في أحلك الظروف السياسية والعائلية. هي ليست سيدة أولى سابقة تميّز عهدها ببعض الأعمال الاجتماعية، بل قدّمت فاتورة كبيرة بعد اغتيال ابنها بيار فأصبحت أمّ الشهيد.
تؤدّي جويس تيان دوراً بارزاً في كواليس حزب الكتائب، ولكلامها وقع مؤثّر وصدى مسموع في حياة زوجها رئيس الجمهورية السابق، وابنها سامي قائد الحزب.
هي الجنديّ المجهول في كواليس إطلالات الرئيس الجميل الإعلامية، وسياسية في الظلّ تهمس في آذان الرجال أصحاب القرار من حولها مقوِّمةً ومصوِّبةً ولافتةً ومقرِّرة.
نايلة معوض
لم تؤدِّ نايلة عيسى الخوري زوجة الرئيس رينيه معوّض دورها كسيدة أولى إذ لم يجلس زوجها في كرسي الرئاسة واغتيل بعد 17 يوماً على انتخابه، إلّا أنها لم تغب عن الساحة السياسية بعد رحيله.
وعلى قاعدة أنّ زوجة السياسي اللبناني لا تؤدّي دوراً سياسياً إلّا إذا مات زوجها، فورثته، دخلت نايلة البرلمان اللبناني عام 1991 وانتُخبت نائبة في دورات 1992، 1996، 2000، 2005. كما عُيّنت وزيرة للشؤون الاجتماعية عام 2005.
هي نجحت في تأدية دور سياسي انتقالي فاستلمت راية الزعامة لمدة 20 عاماً ونقلتها من زوجها رينيه الى نجلها ميشال الذي كان لا يزال صغيراً عند اغتيال والده.
منى الهراوي
رسخت منى جمّال في ذاكرة اللبنانيين كسيدة أولى أنيقة وناشطة. اهتمّت زوجة الرئيس الياس الهراوي بالتربية والتعليم والتراث وحقوق المرأة والصحة… هي مؤسسة ورئيسة مركز الرعاية الدائمة المخصَّص لأطفال التلاسيميا والسكري منذ العام 1993، ومؤسِسة ورئيسة المؤسسة الوطنية للتراث منذ عام 1996.
من أبرز إنجازاتها ترميم نصب موقع نهر الكلب الأثري، والإسهام من خلال المؤسسة الوطنية للتراث في إعادة تأهيل متحف بيروت الوطني.
اندريه لحود
اهتمّت اندريه امادونيان زوجة الرئيس إميل لحود خلال ولايتها التي دامت 9 سنوات برعاية الطفل، والتربية والتعليم، والأعمال الخيرية، وحقوق المرأة. هي رئيسة جمعية عناية ورعاية شؤون الطفولة منذ العام 1999، كما ترأست من العام 1998 حتى العام 2007 الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية.
وفاء سليمان
نشطت في الشؤون الاجتماعية، التربوية، حماية التراث، تعليم النساء والأطفال. أنشأت مؤسسة «يدنا» للرعاية الصحية والاجتماعية، وجاءت باكورة مشاريعها «مركز صحة قلب المرأة».
هل هي نجمة اجتماعية؟
أثبتت هيلاري كلينتون أنّ مقام السيدة الأولى لا يحدّها بقيادة بعض الأعمال الاجتماعية فقط. فهيلاري واكبت مسيرة زوجها بيل كلينتون خلال 8 سنوات كان فيها رئيساً للولايات المتحدة. هي إطّلعت على كلّ خبايا مكتبه وتفاصيل حكمه، وسعت إلى توظيف هذه الخبرة الواسعة في مجال القيادة، لمصلحتها.
لم تنكفئ عن الأضواء بعد انتهاء ولاية بيل في البيت الأبيض كما تفعل السيدات الأوليات اللواتي ينتهي دورهنّ مع انتهاء فترة حكم الزوج، بل انطلقت متسلّقة سلالم المراكز نحو الرئاسة.
تبوّأت وزارة خارجية بلادها قبل أن تصنع التاريخ وتصبح أوّل امرأة في الولايات المتحدة تترشح لمنصب الرئيس عن أيّ حزب كبير. واليوم يستقبل القصر الجمهوري السيدة الأولى ناديا الشامي، وقد تميّزت ببعدها عن الأضواء. فهي بخلاف النائب ستريدا جعجع، الناشطة سياسياً، لم تؤدِ دوراً سياسياً ولا حتى اجتماعياً في حياة التيار الحزبية.
ولم يُسجّل البعد لناديا فقط بل أيضاً لبناتها شانتال وكلودين وميراي اللواتي ولو عملن في الشأن التنظيمي الحزبي لم تتولّين مسؤوليات رسمية على صعيد الحزب أو لبنان. ويُذكر أنّ الرئيس ميشال عون كان شجّع حتى الساعة الصورة النمطية للمرأة، فلم يمنح بناته دوراً سياسياً أو رسمياً بارزاً إنما أصهرته الوزير جبران باسيل، ورئيس مجلس إدارة تلفزيون OTV روي الهاشم، علماً أنّ صهره الثالث هو العميد المتقاعد شامل روكز، بينما لا يعرف الرأي العام بناته اللواتي يقلّ ظهورهن في الإعلام ويقتصر نشاطهن السياسي على بعض الأعمال التنسيقية في مكتبه وعلى الصعيد الحزبي.
ومثلما توجّه الرئيس ميشال عون في خطاب القسم إلى اللبنانيات قبل اللبنانيين، نتمنّى أن يبادر في الأيام المقبلة إلى كسر هذه الصورة من خلال السعي لمنح بناته ونساء أخريات أدواراً سياسية ريادية أو حتّى حقائب وزارية، فلا تبقى الحصة الأكبر للرجال على حساب بقاء البنات في الظل.