Site icon IMLebanon

لبنان بين «الضعيف» .. و«الأضعف»!

 

قبل نحو ثلاثة أشهر، حضرت الى بيروت شخصية أوروبية ذات موقع وظيفي رفيع ومسؤول في جهاز غير مدني في بلدها. والتقت يومذاك بعيداً من الاضواء، مجموعة من الشخصيات اللبنانية من قطاعات مختلفة، إضافة الى مجموعة من السياسيين. وبحسب ما نقل بعض من التقوها، فإنّ تلك الشخصية عرضت أمامهم وضعاً سوداوياً في لبنان، وابلغت اليهم صراحة «إنّ بلدكم وُضع على جدول التصنيفات الائتمانية السلبية.. ونخشى انّه مقبل على فترة حرجة وايام عصيبة».

حضرت الشخصية نفسها الى بيروت في الايام الاخيرة، والتقت بعض الشخصيات وأيضاً «بعض الاصدقاء»، وتركّز الحديث على تطورات الحراك الشعبي الذي يشهده لبنان منذ 17 تشرين الاول الماضي.

 

بدا من حديث تلك الشخصية، أنّ أجزاء الصورة اللبنانية منذ 17 تشرين الأول وحتى اليوم، متجمّعة لديها بالكامل، ومن خلالها قدّمت قراءة للوضع اللبناني، تتلخص بالآتي:

 

– أولاً، وضع لبنان الاقتصادي والمالي دقيق ويبعث على القلق.

 

– ثانياً، دخل لبنان منحنى انحدارياً طويلاً، وحتى ولو حصل وتمكّن المسؤولون اللبنانيون من الوصول الى حلول سياسية للأزمة الراهنة، إلّا أنّ المعاناة الاقتصادية فيه، مع العقليات ذاتها والنمط القديم في المعالجات والمقاربات، ستستمر بالحد الادنى لأربع أو خمس سنوات على الأقل.

 

– ثالثاً، لبنان حالياً في دائرة الرصد الدولي أكثر من أيّ وقت مضى. وثمة تطوّر لافت في هذا الجانب، وهو انّ النظرة الغربية الى لبنان، في مجملها، سلبية تجاه السلطة اللبنانية وكيفية ادارتها الأزمة الراهنة.

 

– رابعاً، السلطة اللبنانية هي المسؤولة عن الأزمة، وهي التي غذّت الحراك الشعبي بالكثير من الأسباب للتحرّك ضدّها، بحيث تمنّعت منذ البداية عن المبادرة الايجابية تجاه المطالب، ولم تتدارك ما قد يحصل، ولم تقدّم من الأساس حلولاً ترضي اللبنانيين، بل كان فشلها ذريعاً في ادارة الدولة ومقدراتها، وامتنعت عن تأمين الحد الأدنى من الاساسيات للشعب، مثل الكهرباء والمياه والاتصالات وغيرها من القطاعات الحيوية. فحتى في بوليفيا وفنزويلا اللتين شهدتا ثورات عارمة، ظلّت الأساسيات متوافرة ومؤمّنة دون انقطاع.

 

– خامساً، كل معايير الدولة الفاشلة تنطبق على لبنان مئة في المئة، وتتثبت تلك المعايير من واقع لبناني ليس سليماً على الاطلاق، يعكس «الفراق» الحاصل بين اللبنانيين، حيث تحوّل لبنان الى ما يشبه قطعة ارض، تعيش فيها مجموعات متفرقة لا تعرف ماذا تريد، ولا جامع بينها ولا رؤية موحّدة ومشتركة، ولا تخطيط مشتركاً لخروج سليم من ازمتهم، بل لا علم لهم بالتخطيط.

 

– سادساً، من الطبيعي جداً أن يقف الغرب، الى جانب الحراك الشعبي الذي يشهده لبنان منذ 17 تشرين الاول 2019، من أجل تعزيز الشفافية والديموقراطية وتأكيد الحق الكامل للبنانيين في التعبير عن آرائهم وتطلعاتهم الى مستقبل زاهر، وكذلك من أجل تلبية ما يطالبون به من خطوات اصلاحية تنهي الفساد القائم على مستوى السلطة وادارات الدولة، إلّا أنّ المطالبات بإسقاط النظام اللبناني غير واقعية ومبالغ فيها كثيراً.

 

– سابعاً، لا تدخلات غربية مباشرة في هذا الحراك، ولكن يجب الاعتراف بأننا توقعنا للحراك أن يكون أقوى وأكثر فعالية.

 

– ثامناً، بقدر ما فوجئنا بالحراك وضعفه، فوجئنا أكثر بأداء السلطة اللبنانية التي كانت مُربكة جداً أمام هذا الحراك، بما اعطى الحراك نقطة لصالحه، وبمعنى اوضح فإنّ القوة التي يظهر عليها الحراك المدعوم اعلامياً ومن وسائل التواصل الاجتماعي، ليست ناجمة عن قوة استثنائية يتمتع بها الحراك، بل عن ضعف السلطة، وعدم استباقها الامور بخطوات ملموسة ترضي اللبناني، تعكس من خلالها عزمها على إجراء الاصلاحات المطلوبة.

 

– تاسعاً، إنّ نقطة الضعف الأساسية في الحراك، هي مكونّاته العديدة، التي يختلف بعضها عن بعض، ما يُفقده تماسكه الداخلي، ونسوّق هنا مثالاً، «البوسطة» التي كانت كناية عن حركة بسيطة لا تعتريها اي اهمية استثنائية، ومع ذلك فشلت، وتحوّلت الى اشتباك بين حراك وحراك، وليس بين حراك وسلطة واحزاب سلطة.

 

– عاشراً، الوضع السياسي يبدو معقداً جداً، والوقائع السلبية التي تتوالى، خصوصاً حول الوضع الحكومي، لا تؤشر الى إمكان تحقيق حلول قريبة على هذا الصعيد. والمعطيات التي توافرت لنا من الداخل اللبناني تعكس صعوبة شديدة في تشكيل حكومة جديدة في لبنان، وايضاً في إمكان عودة سعد الحريري الى رئاسة الحكومة.

 

– حادي عشر، لم يفاجئنا التطوّر السلبي في العلاقة بين سعد الحريري وجبران باسيل، وبالتأكيد بين الحريري والرئيس ميشال عون.

 

– ثاني عشر، على الرغم من اننا لا نتوقع حلاً حكومياً قريباً في لبنان، إلا أنّ الغرب بشكل عام يأمل تشكيل حكومة في وقت قريب، بصرف النظر عن شكلها أكانت سياسية أو غير سياسية، فالاسم والشكل ليسا مهمين، بل المهم جداً تشكيل حكومة من أشخاص يوحون الثقة، وتعتمد سياسة توحي الثقة أيضاً، وتشكّل جاذباً للاستثمارات والاموال الخارجية كـ«سيدر» وغيرها.

 

فالعالم، وفي مقدمه الغرب تعلّم من التجارب السابقة، حين كانت الأموال تؤخذ من جيوب الاوروبيين وغيرهم وتعطى الى اللبنانيين، الّا انّها كانت تذهب لبعض الجيوب التي بتنا نعرفها بالاسم. نحن ننتظر تشكيل حكومة توحي الثقة والأمان والامانة، الّا انّ ذلك ليس ظاهراً حتى الآن.

 

– ثالث عشر، الغرب بشكل عام لا يخفي ابداً رغبته في إرباك «حزب الله»، واضعافه على المستوى اللبناني وعلى المستوى الاقليمي، خصوصاً ضمن بيئته الشيعية. الّا انّ الغرب منقسم حالياً بين دول تدعو الى مراعاة التركيبة اللبنانية التي يشكّل «حزب الله» أحد مكوّناتها الاساسية، ودول أخرى، مع إرباك «حزب الله» واضعافه حتى لو ادّى ذلك الى أن يدفع لبنان بشكل عام الثمن.

 

وهنا لم يسمِّ المتحدث اي دولة بشكل مباشر، الّا أنّه أشار الى أنّ الفرنسيين قاموا بمساعٍ جدّية في الآونة الاخيرة للوصول الى حلول واقعية وسلميّة للأزمة اللبنانية وفشلوا. واشار ايضاً الى الموقف الاميركي، حيث اكتفى حياله بقول ما حرفيته: «الموقف الاميركي معروف من «حزب الله»، والادارات الاميركية كلها لا تخفي عداءها له».

 

هذه الصورة التي رسمتها الشخصية الغربية غير السياسية، ختمتها بعبارة تحمل الكثير من الدلالات: «مع الأسف سيمرّ وقت طويل على لبنان قبل ان يصل إلى حلول، ما زالت حتى الآن مجهولة الزمان والمصدر والمكان .. والاثمان»!