من عادتي في ما أكتبُ من مقالات أنْ أستشهد بكبار الفلاسفة والأدباء والشعراء وسيرة الأنبياء، دعماً لرأيٍ أو تأكيداً لِفكـرة..
ولكنّني ارتأَيْتُ هذه المرّة أنْ أستشهد بأُغنيةٍ للفنان اللبناني عاصي الحلاّني: «قلُّنْ إنك لبناني».
ورأيت أن هذه الأغنية قـدْ تُغْني في مجال الإنتماء الوطني عمّا جـاء في الأقوال الفلسفية والأدبية وكتب الديانات، بأنّ حبَّ الوطن من الأيمان.
… «وطنَكْ دينَكْ قلُّنْ إنـكْ لبناني…»
«وقلُّنْ»: إذا لم تتداركوا واقع لبنان بما هو عليه الآن، فإِنّهُ سيشهد مزيداً من تفكُّك الحلقة الأخيرة المتبقِّية من هيكلية الدولة وعلى رأسها المؤسسات العسكرية والأمنية.
لا تزال هذه المؤسسات العسكرية والأمنية في ما تبقّى من هذه الدولة تشكلّ القشَّةَ على ظهـر البعير، فإذا تعرّضَتْ هذه المؤسسات للتصدُّع، نصبحُ أمام مجالس عـزاءٍ لوضـعٍ إقتصادي خطير، ووضـعٍ حياتي خطير، ووضع أمني خطير، أي لوضع وجودي خطير، يتخبّط في بحـرٍ من النزوح السوري، مع احتمال التوطين الخطير على المصير.
«وقلُّـنْ ..» إذا كان المصير اللبناني: السيادي والسياسي والأمني والإقتصادي والرئاسي مرتبطاً بما يقرّره الجنون الإسرائيلي في غـزّة.
فإنِ استمّرتِ الحرب في غـزة استمَّرتْ الحرب في لبنان.
فتبقى غـزّة مصلوبةً على جُلجلةِ الأرض المحروقة، ويبقى لبنان مصلوباً على جلجلةِ قصر بعبدا… وفي غـزّة كما في لبنان لا يزال أهل الضحيّة يساهمون في جلدها.
هناك انقسامٌ فلسطيني حـول غـزة تكاد تصبح معه غزّتين…
وهناك انقسامٌ لبناني حـول غـزّة يكاد لبنان معه يصبح لبنانين…
في فلسطين: القيادي في حركة حماس موسى أبو مرزوق يتَّهم منظمة التحرير «بأنّها حارسُ أمـنٍ لإسرائيل»…
وقياديون في حركة فتح يتّهمون حركة حماس «بأنّها تنفّـذ مشروعاً إيرانياً…»
وفي لبنان: هناك فريق يتّهم الآخر بأنّه حارسٌ لأمـن إسرائيل…
وفريق يتّهم الآخر بأنه ينفِّذ مشروعاً إيرانياً.
ماذا يعني: هذا الإندماج اللّصيق بين الطوفان الأقصى في غـزّة، والطوفان الأقصى في لبنان…؟
هل هو يكشف حقيقة هذا التباين اللبناني العميق حـول هويّة لبنان القومية والتاريخية والسياسية والرسالية والسيادية وتكوينهِ التعدّدي…؟
وهل هذا يعني: أننا لم نعد نعرف وجهَ لبنان الحقيقي وقـدْ تغطّى بالوجوه المستعارة، وأن لكلِّ فريقٍ في لبنان لبنانَهُ الخاص، وإن هناك ولاءَين بلبنان وإيمانين متناقضين، فإمّا أن يلتقيا إلى حدِّ الإندماج، وإمّا أن يفترقا إلى حدّ الإنفصال..؟
عندما يكون الوطن وطنين فكلُّ واحدٍ يحاول اغتيال الآخر.
وإذا كان كلّ فريق يخـوِّن الآخر، فكيف يقوم وطنٌ، بين وطنيّ وخائن، أو بين فريقين خائنين…؟
أيها الناس صلّـوا على النبيّ القائل: «اللهُمَّ حبِّـبْ إلينا المدينةَ كحبِّنا لمكّة وأشدّ..»(1) واسمعوا الحقّ الحقَّ الذي يقوله لكم المسيح: فحبّ الوطن من الإيمان.
ليس لأيٍّ منكم لبنان آخـر، وليس في العالم لبنان آخـر، رسالةَ حضارةٍ كونية إلى العالمين، إنّـه السلاح الأمضى لأيّ طوفان.
غداً، عندما تتـمّ التسوية الدولية بترجيح مصالح الدول الكبرى على حساب الدول المقهورة الصغرى، ستأتيكم كلمةُ السرّ عبـرَ اللجنة الخماسية الدولية، وإذْ ذاك ستصلّون على النبيّ، وتصلِّبون بالخمسة.
ولكن، متى تتعلّمون معنى وصيِّـةِ زعيم الحقوق المدنية الأميركي: «مارتن لوثر كينغ» الذي يقول: «علينا أن نتعلّم كيف نعيش معاً كأخوة، وإلاّ فسوف نهلك معاً كأغبياء…».
1 – قولٌ للنبيّ: رَواه البخاري بما يعني الإيمان الوطني.