Site icon IMLebanon

لبنان أمام منعطف خطير!

 

 

المنعطف الخطير الذي تعيشه البلاد يُنذر بعواقب قاسية تتطلب حلولاً غير تقليدية كون التحديات والمصاعب بحد ذاتها غير تقليدية. فارتسام خطوط التماس مجدداً، يذكّر بحقبةٍ أليمة كلفت الشعب اللبناني أثماناً باهظة لتجاوزها وتخطيها، وتمّ الانطلاق نحو مرحلة النهوض والبناء التي شابها ما شابها من مشاكل اقتصادية، ومالية، وبنيوية رافقتها أنواع الهدر، والفساد، والمحاسبة، والمساءلة، والشفافية.

 

وإذا كان أحد أبرز مسببات الحرب الأهلية سنة 1975، هو ضعف مشروع الدولة، وطغيان التأثير السلبي للاّعبين الإقليميين، فإن المشكلة لا تزال قائمة، ولو تغيّرت هوية اللاّعبين وأدوارهم ومشاريعهم وأهدافهم.

 

صحيحٌ أن اتفاق الطائف (1989) حسمَ ثلاثية هامة وهي: تكريس نهائية لبنان، وعروبته، وصيغة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين. ولكن الصحيح أيضاً أن الدولة المرتجاة التي دعت وثيقة الوفاق الوطني لقيامها لم تتحقق عناصرها الكاملة.

 

لقد دار فائض القوة دورةً كاملة على الطوائف والمذاهب والأحزاب، فجرّبت كلٌ منها حظّها في الاستفراد بالقرار السياسي الوطني اللبناني وفق حساباتها ومصالحها الفئوية الخاصة إلى أن توصلت إلى خلاصات مؤلمة (بالنسبة لها وليس للبنانيين بطبيعة الحال)، مفادها أن لا مفر من قيام الدولة التي تشكّل المساحة المشتركة الوحيدة القادرة على استيعاب كل الهواجس، والمخاوف، والتطلعات على حد سواء.

 

لو تيسّر للقوى السياسية التي تمتلك قوة خارقة تفوق قدرات الميزان اللبناني الدقيق على الاحتمال، أن تبادر لتعزيز دور الدولة (التي تجد نفسها بحاجة إليها في الكثير من المنعطفات والمحطات) لتوفرت إمكانية جدية لتحقيق التغيير المنشود والمرتجى.

 

هذا الكلام ينطلق من واقعيةٍ سياسية شديدة، وليس من زاوية الدراسة النظرية للواقع اللبناني بكل تعقيداته ومشاكله وتشعباته المحلية والإقليمية.

 

إن السقوط الوشيك للدولة والانهيار المرتقب للاقتصاد سيفتح أبواب جهنم على الداخل اللبناني والمحيط على حدٍ سواء، ولن تسلم من آثاره السلبية المنطقة برمتها. وعلى الرغم من سعي بعض الأطراف للحفاظ على صيغة “الدولة الضعيفة”، فإنه سرعان ما سيكتشف التداعيات المدمرة للسقوط النهائي للدولة التي استقوت عليها في بعض الحقبات.

 

قد تكون مفارقةً صعبة وعصية على الفهم أن تكون حاجة القوى القوية للدولة اليوم أكثر من حاجة القوى الأخرى الأقل تأثيراً. فهذه من مفارقات السياسة اللبنانية التي تتطلب مقاربة هادئة بعيداً من ضجيج الساحات والميادين والشوارع، والتي باتت مسرحاً للتوتر المتنقل الخطير القابل للاشتعال في أي لحظة من اللحظات.

 

الوقت لم يفت بعد. فالخطوات الدستورية السريعة تبدأ بالاستشارات النيابية الملزمة التي يشكّل تأخيرها تجاوزاً للدستور، يليها تكليف حكومة تحظى بثقة الخارج والداخل (بمكونات البلاد السياسية التقليدية، ومكونات الثورة على حد سواء)، ثم سحب فتيل الانفجار الأمني والانهيار الاقتصادي والمالي، وذلك من خلال خطوات تعيد الاستقرار إلى الواقع الراهن وتفتح آفاقاً جديدة أمام لبنان واللبنانيين.

 

إنه المفترق الخطير: إما الهبوط إلى القعر حيث الفوضى والتوتر وربما الاقتتال، أو الصعود التدريجي نحو الثقة والاستقرار والنهوض مجدداً. فأيهما سنشهده قريباً؟