لبنان المرتبك بمشاهده غير المألوفة بلغ مرحلة من الذّعر غير مسبوقة، بالأمس شاهدنا ڤيديو لرجلٍ يدخل إلى أحد المصارف حاملاً «بلطة» وهو لا يريد شيئاً سوى أمواله الممنوعة عليه، والتفسير الوحيد لحمله «بلطة» أنّه مستعدّ للقتل للحصول على أمواله، في وقت يسمع فيه اللبنانيون عن المليارات التي يجري تهريبها إلى الخارج، ما يُعمل باللبنانيّين لا يُصدّق، كثيرون اكتشفوا فائدة «الفقر» وطعم «راحة البال» في أن لا تملك شيئاً فلا تتعرض للإذلال في مواسم الذّل المتفشّية كوباء يجتاج لبنان وشعبه!!
ولبنان المرتبك أيضاً في المشهد المصرفي ازدادت فيه حيرة اللبنانيين مع إعلان خبر وصول شحنة «سيولة» ورقيّة إلى مطار بيروت زنتها 9 طنّ فقط!! منذ متى كانت الأوراق النقديّة يعلن عنها بالوزن وبالطنّ؟ تخيلوا 9000 كيلوغرام من «المصاري»، أمّا سبب ازدياد حيرة اللبنانيّين فتكمن في تساؤلهم هل سنكون كاليونان في الإفلاس أم سنكون كڤنزويلّا «إنّو رسّونا عبرّ»، بالأمس طمأن رئيس جمعيّة المصارف صغار المودعين بألّا يخافوا فيما مصارفهم تحتجز حتى رواتب المواطنين!!
ولبنان المرتبك في المشهد الحكومي لم يشهد في تاريخه رئيساً يستهين بالدّستور إلى حد فرض صهره شريكاً في تشكيل الحكومات كونه رئيس أكبر كتلة نيابية في مخالفة دستوريّة فاضحة، ولم يشهد لبنان في تاريخه رئيس حكومة مكلّف على طريقة «كلِّفوا ولن تألّفوا»، إذ لن يجد الرئيس المكلّف حسّان دياب شخصيّة سُنيّة واحدة تقبل التوزير في حكومته، ربّما قد يجد في سًنّة حزب الله، دياب ما يزال مبنهجاً بالتكليف، وهو «عايش الدّور» إلى أقصى الحدود، يقف اللبنانيّون أمام هذا المشهد «النّفساوي» غير المسبوق يرمقون السماء بنظرهم معاتبين «كنّا بواحد صرنا بتنين»!!
ولبنان المرتبك في مشهد «لولو السويعاتيّة» يتصرّف كأنّه بلد صحراوي هطول المطر فيه أعجوبة، المضحك أنّ حتى المعنيّين بشؤون الطقس وأحواله منقسمين كالبلد كلّ طرف منهم يمنح المنخفض الجوّي الجوي إسماً، ولبنان «كلّ عمرو» تضربه نوّتان كبيرتان في شتائه، ليس في لبنان فقط بل في المنطقة، في الاسكندريّة تعرف في التقويم القبطي بـ»الفيضة الصغرى» وهذا وقت أوانها فعلامَ كلّ هذه المبالغات؟ ومشهد تبعات العاصفة لا يحتاج إلى كلّ هذا «الطقّ والنقّ»، فالعاصفة تركت لمساتها ولا بُدّ من حائط دعم ينهار وطريق يٌشلّق وسيولٍ تجرف التربة، ولا بُدّ من مشهد السان سيمون نفسه كلّ عام 400 عائلة عمّرت بيوتاً بشكل غير شرعي ومن دون بنية تحتيّة ولا فوقيّة بيوت تلتصق بالبحر متجاهلة المدّ والجزر، وهذا وقت مدّ حتى في الصيف سيدخل البحر إلى البيوت، كلّ هذا النّحيب ينتظرون منه تعويضات ماليّة من دولة مفلسة لإخلاء هذه المنطقة، وكل بيت منهم يحلم بمبلغ إخلاء خيالي، «خلص يا جماعة فلّسنا»!!
ولبنان المرتبك في مشهد يوم أمس في «النّافعة» سجّل دخول ثلاثة مليارات ليرة إلى خزينة الدولة اللبنانيّة التي «تبكي عحالها وأنّها لم يدخلها قرش منذ شهرين» وهذا من فضل الشعب اللبناني «المجنون» الهاجم لشراء أرقام السيارات المميزة ويقولون «البلد فلّس» والنّاس ستموت من الجوع، هناك من اشترى في هذا الوقت العصيب أرقام سيارات مميّزة بثلاثة مليارات ليرة لبنانيّة في اليوم الأوّل وعلى الذي يشتري الرّقم «أن يتكّ حقّو دغري هو وواقف»، في وقتٍ استغلّت محطات التلفزة ليل ويوم عيد الميلاد توزّع الكآبة والحزن «ووجع القلب» على اللبنانيين المعذّبين ذاتاً ومن دون جميلتهم، بدل زرع شيء من الأمل في نفوس متعبة، حتى صرنا نجد في فسحات الإعلان متنفسّاً للهرب ممّا يُعرض علينا ويسمّم أعيادنا بالبؤس والتعاسة، فهل أصبح إبكاء اللبنانيّين هدفاً لمحطات التلفزة تتسابق عليه؟!
المشهد سيزداد ارتباكاً على ارتباك، والواثق الوحيد في هذا المشهد اللبناني كلّه هو الوزير جبران باسيل، وكأنّنا نعيش في حالة «لبنان زائل» وجبران باقٍ باقٍ باقٍ!!