يحتمل الوضع اللبناني، على ما يبدو، أي شيء: من الاعتياد على شغور منصب رئيس الجمهورية الى تعطيل عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية، الى العجز حتى عن حل كارثة النفايات، الى تكبير كل صغيرة وتصغير كل كبيرة، الى ممارسة الصخب المستدام في الإعلام والسياسة من دون أي فواصل (إعلانية أو موسيقية!) الى غير ذلك من شؤون ومفارقات، يكفي جزء منها في دولة أخرى، لتتويج هذه الدولة على منصة بطولة العالم في الفشل!
وتلك القدرة على الاحتمال هي التي لا تزال تمنع عن لبنان أمجاد ذلك التتويج! مع ان مقوّماته شبه مكتملة وأوراقه مستوفية لمعظم الشروط المطلوبة باستثناء الفوضى الأمنية.. ثم حضور حسّ مدني حداثي أمكنه بالتراكم أن يقيم شيئاً من التوازن مع العسكرة الحزبية التي يشكلها «حزب الله» وخياراته الفضفاضة محليًّا وإقليميًّا، وأداؤه التعبوي التحريضي الذي لا يكلّ ولا يملّ، ولا يعرف، إذا أراد، كيف يفعل ذلك.
وتلك فرادة لا شك فيها! بحيث انه يصعب في أي دولة عادية وطبيعية العثور على هذا الكمّ من المتناقضات والمفارقات والسقطات، من دون استنتاج تبعات مكرسحة. أو من دون الشروع في الدقّ على الصدر ونتف الشعر نتيجة التآخي التام أو التماهي (لمن يشاء) مع العبث الأخير الشبيه بالعدم وأهواله المستحيلة..
ومع ذلك، فإن حتى هذه الفرادة تشتمل على مميزات خاصة. من بينها، مثالاً وليس حصراً، أن يجلس الشاكي والمشكو منه والمرتكب والضحية والفاعل والمتلقي، في مقعد واحد!.. أي، أن يخرج المسبّب الأول لعلّة هتك مفهوم الدولة والشرعية على مدى السنوات الماضية، الى الشكوى من ضمور الدولة وانتهاك الشرعية! وأن يزايد على «الضحايا» في إبداء الألم من الواقع المزري القائم! وأن «يستنتج» على طريقة المحللين الأبرياء، وهو المدجّج بالسلاح والتعطيل، ان الحياة السياسية والدستورية عندنا مأزومة حتى النخاع! ثم الأهضم من ذلك كله، أن يشير «بموضوعية» الى قصّة «تقاذف التهم» بين الفرقاء اللبنانيين مع انه الوكيل الحصري لأمّ الأزمات التي يعاني منها لبنان وأهله والمتمثلة بتلك الازدواجية التي تضع مشروع الدويلة في وجه مشروع الدولة.
.. لبنان دولة فاشلة ووطن ناجح! وهذه المعادلة المركبّة هي التي جعلته وتجعله ولاداً أرنبيًّا لأزمات ومفارقات وعجائب متناسلة ومتعاقبة، لكن من دون أن يسقط، أو يرتفع إلى منصّة التتويج المألوفة!