Site icon IMLebanon

لبنان 2020… لقاء الجهل والحقد  

 

 

ما آل اليه لبنان اكثر من طبيعي في ظلّ ظروف غير طبيعية داخليا وإقليميا ودوليا. يأتي ما آل اليه لبنان نتيجة التقاء الجهل، حتّى لا نقول الغباء، بالحقد والتفاعل بينهما في عهد يهمّه مستقبل جبران باسيل وليس مستقبل لبنان.

 

بعد نحو عشرين يوما تنتهي السنة 2020، السنة التي لم يمر مثلها على لبنان. تضافرت عوامل عدّة في جعل لبنان الحالي بلدا منبوذا ومفلسا، بلدا طاردا لاهله لا علاقة له بلبنان الذي عرفناه. صار على لبنان نسيان تاريخه الحديث الذي عمره مئة سنة بالتمام والكمال والتنكّر للأسباب التي جعلت منه بلدا فريدا من نوعه في المنطقة ومزدهرا في مرحلة معيّنة.

 

في 2020، بات مصير لبنان على المحكّ فيما يبحث العهد الحالي عن ثلث معطّل في الحكومة، بما يؤكد ان صهر رئيس الجمهورية جبران باسيل، ما زال حيّا يرزق سياسيا وان العقوبات الأميركية لم تقض عليه نهائيا. يتصرّف العهد على هذا النحو، علما ان الخيار المطروح امامه في غاية الوضوح والبساطة في الوقت ذاته. إنّه خيار الوقوف جانبا والسماح بتشكيل حكومة اختصاصيين قادرة على التعاطي مع المجتمعين العربي والدولي كي يخرج لبنان من حال اللامبالاة التامة بمصيره.

 

كلّما بقي لبنان بلا حكومة، كلّما زاد الاهتراء وتضاءلت فرص إيجاد قناة يمكن من خلالها الحصول على مساعدات في ظلّ حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.يظلّ القيام بهذه الإصلاحات في غاية الصعوبة في بلد ليس مطلوبا منه سوى ان يكون ورقة إيرانية في مفاوضات تستهدف التوصل الى صفقة بين «الجمهورية الإسلامية» والإدارة الجديدة في واشنطن.

 

يكمن الجهل لدى العهد على ثلاثة مستويات. لبنانيا وإقليميا ودوليا. على الصعيد اللبناني لا وعي لواقع يتمثّل في حصول تغيير جذري في تركيبة البلد. اخذ هذا التغيير بعدا جديدا في السنوات الماضية التي امتدت بين الرابع عشر من شباط – فبراير 2005، لدى اغتيال رفيق الحريري، والسنة 2020. لا استيعاب لمعنى تمكّن «حزب الله» من ملء الفراغ الأمني والسياسي الذي خلّفه الانسحاب العسكري السوري في 26 نيسان – ابريل 2005. على العكس من ذلك، هناك رغبة في الاستفادة الى ابعد حدود من كلّ ما يكنّه «حزب الله»، ومن خلفه ايران، من «محبّة» للبنان واللبنانيين ولبيروت بالذات. هناك رغبة في الضحك على الذات عن طريق اقناع هذه الذات ان في الإمكان استعادة حقوق المسيحيين بسلاح «حزب الله»!

 

من الصعب تعداد كل مكامن الجهل لدى العهد على الصعيد اللبناني بدءا بالعجز عن فهم معنى انهيار النظام المصرفي اللبناني وافقار اللبنانيين وهبوط سعر العملة الوطنية وصولا الى كارثة تفجير ميناء بيروت ونتائجها، اقلّه على صعيد المنطقة القريبة من المرفأ التي تضرّرت اكثر من غيرها، وهي منطقة مسيحية في معظمها. الأكيد انّ الجهل ينسحب على سوء تقدير خطورة هجرة الشباب اللبناني الى أي مكان مستعدّ لاستقباله…

 

يشمل الجهل في طبيعة الحال الإصرار على بقاء وزارة الطاقة في يد جبران باسيل، على الرغم من كلّ الفشل الذي خلفته وصايته على هذا القطاع طوال اكثر من عشر سنوات. ليس معروفا بعد هل المطلوب السيطرة على وزارة الطاقة ام أن الامر مرتبط بين هذه السيطرة والإصرار على حرمان اللبنانيين من الكهرباء؟

 

يظهر الجهل على المستوى الإقليمي من خلال عزل لبنان عربيا وتغطية الربط بينه وبين ما يسمّى «محور المانعة». ما فعله العهد الحالي لم يتجرّأ أي عهد آخر على عمله، بما في ذلك عهد اميل لحود. يدين لبنان اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة ولا يدين اطلاق الحوثيين في اليمن صواريخ في اتجاه الأراضي السعودية. اكثر من ذلك، لا وجود لفهم لطبيعة ما يدور في سوريا وخطورة مشاركة «حزب الله» كميليشيا مذهبية في الحرب على الشعب السوري. فوق ذلك كلّه، لا يزال هناك رهان على ان بشّار الأسد يمكن ان ينتصر على السوريين، فيما سوريا تفتّتت. امّا قمة الجهل على الصعيد الإقليمي فتتمثّل في العقم السياسي اللبناني الذي ظهر من خلال المفوضات مع إسرائيل في شأن ترسيم الحدود بين البلدين… فضلا عن العجز عن استيعاب معنى العلاقة الجديدة بين دول الخليج العربي وإسرائيل.

 

يمكن وضع كتاب عن كمّية الجهل المتوافرة لدى العهد في ما يخصّ الوضع الإقليمي، مثلما يمكن وضع كتاب آخر عن الجهل في ما يدور في العالم ومعنى التغيير الذي حصل في الولايات المتحدة وتأثيره على مستقبل العلاقات الأميركية – الأوروبية عموما والعلاقات الأميركية – الفرنسية على وجه الخصوص.

 

متى يجتمع الجهل مع الحقد لا يعود مستغربا ان يعاني لبنان وشعبه مما يعانيه الآن، خصوصا ان هناك كمية حقد غير عادية على كل ما هو ناجح في لبنان القديم، لبنان ما قبل 2005 الذي استطاع التقاط أنفاسه، ابتداء من العام 1992 وإعادة الحياة الى عاصمته والى دورها على غير صعيد، خصوصا عربيّا.

 

ماذا بقي من لبنان في السنة 2020 التي تشرف على نهايتها؟ تبقى اطلال مرفأ بيروت شاهدا على بلد كان يمكن ان يكون قصة نجاح في المنطقة… فتحوّل الى قصة فشل، ان لم يكن قصة الفشل بحدّ ذاته.