ليس معروفا، في ضوء الاحداث التي شهدتها السنة 2020 هل سيكون لدى لبنان مكان آخر يذهب اليه غير جهنّم او الجحيم. هذا، على الاقلّ ما وعد به رئيس الجمهورية ميشال عون مواطنيه في مؤتمر صحافي عقده في أيلول – سبتمبر الماضي بعد شهر ونصف شهر على تفجير مرفأ بيروت. قال صراحة ردّا على سؤال وجّه اليه عن وجهة سير البلد في ظلّ التأخير في تشكيل حكومة جديدة: “رايحين على جهنّم”.
ليس ما يشير الى انّ امام لبنان خيارا آخر غير جهنّم وذلك بعدما صار البلد مفلسا وفي غياب ايّ وعي لدى القيادة السياسية الموجودة التي يديرها “حزب الله” على طريقته ويتحكّم بتصرّفاتها، للكارثة التي حلّت به. لا وجود لأي طرح جدّي يستهدف البحث عن مخرج من الازمات التي يعاني منها لبنان على كلّ المستويات. هناك ازمة اقتصادية عميقة وأزمة سياسية لا تقلّ عنها عمقا… وهناك عزلة، لا سابق لها للبنان، عن محيطه العربي وعن العالم الغربي وعن العالم بشكل عام. كلّ ما في الامر ان لبنان صار رهينة لدى ايران التي تعتبره ورقة من الأوراق التي تستطيع المساومة بها في أي مفاوضات مع “الشيطان الأكبر” بعد دخول جو بايدن الى البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني – يناير المقبل.
لم يعد لبنان بلدا قابلا للحياة. ليس فيه من يقول للمواطن العادي ما الذي حلّ بامواله المودعة في المصارف او من وراء تفجير مرفأ بيروت. انهار النظام المصرفي الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد وليس من يريد اخذ العلم بحجم المشكلة وتأثيرها على مستقبل البلد وعلى كلّ مواطن فيه. ليس من يريد الاعتراف بانّ سرقة، قد تكون الأكبر في التاريخ الحديث، حصلت في بلد كان يعيش بفضل الخدمات المصرفية التي يقدّمها لابنائه ولكل المنطقة.
كانت السنة 2020 سنة “رايحين على جهنّم” بالفعل. صدق ميشال عون هذه المرّة مع اللبنانيين. لكنّ صدقه كان يجب استتباعه بخطوة أخرى هي الاستقالة من موقعه، خصوصا انّ عهده، الذي هو “عهد حزب الله”، لم يستطع التعاطي مع أي مشكلة من المشاكل المطروحة، بما في ذلك مشكلة الكهرباء التي يتولّى ملفها صهر رئيس الجمهورية. يتولّى جبران باسيل هذا الملفّ منذ ما يزيد على عشر سنوات، امّا مباشرة او عن طريق تابعين له. زاد الدين العام في لبنان نحو خمسين مليار دولار بسبب الكهرباء، علما انّ في الإمكان تحويلها الى قطاع رابح لو وجد بين المسؤولين من يتحمّل مسؤوليته.
في اساس المأساة اللبنانية ذلك الالتقاء بين الجهل والحقد والرهان في الوقت ذاته على ايران. ليس في موقع المسؤولية من يدرك انّ ايران، التي استثمرت في لبنان عبر “حزب الله” الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري”، تستطيع ان تدمّر لا ان تبني. اين استطاعت ايران القيام باي عمل إيجابي حتّى داخل “الجمهورية الاسلاميّة” نفسها؟ هل حصل شيء من هذا القبيل في العراق؟ الجواب: لا والف لا. كلّ ما فعلته ايران منذ العام 2003 عندما عاد قادة الميليشيات المذهبية التابعة لها الى بغداد على دبّابة أميركية، يختزل بحملة تستهدف اثارة الغرائز المذهبية. هل لدى ايران ما تقدّمه للعراقيين غير البناء على اثارة الغرائز المذهبية كي لا تقوم للعراق قيامة في يوم من الايّام؟
ماذا عن سوريا؟ ما الذي فعلته ايران في سوريا مباشرة او عبر ميليشياتها التي بينها “حزب الله”؟ كلّ ما فعلته هو المشاركة في حرب على الشعب السوري الباحث عن التخلّص من نظام اقلّوي وعن حدّ ادنى من الكرامة.
ما الذي تفعله ايران في لبنان؟ هل لدى ايران مشروع آخر غير تحويل لبنان “ساحة” بغية السيطرة عليه. النتائج تتكلّم بنفسها. لم يكن ممكنا تصوّر وصول لبنان الى ما وصل اليه لو لم يتحوّل “حزب الله” الى الحاكم الفعلي للبنان نتيجة سلسلة من الانقلابات. بدأت هذه الانقلابات باغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005 وتوّجت بانتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية في 31 تشرين الاوّل – أكتوبر 2016.
لا امل للبنان، مثلما ان لا امل لسوريا او لليمن… او لغزّة. يظلّ في العراق، الذي يخوض فيه النظام الإيراني معركة وجودية، من يحاول الصمود. يعود ذلك، الى حدّ ما الى الشخصية العراقية من جهة والى الثروات التي في البلد من جهة أخرى. كما يعود الى وجود رئيس للوزراء هو مصطفى الكاظمي يحاول إستعادة المكان الطبيعي للعراق على خريطة المنطقة من دون ان يضع نفسه في موقع العداء السافر لايران.
لم يكتف “عهد حزب الله” بتسليم مصير لبنان الى ايران. قطع الطريق على المبادرة الفرنسية التي كان يمكن ان توفّر مخرجا للبلد. بات ممنوعا على سعد الحريري تشكيل حكومة اختصاصيين، كما طالب الرئيس ايمانويل ماكرون، لعلّ وعسى يحصل لبنان على مساعدات هو في امسّ الحاجة اليها. فعل ذلك من اجل ان بقاء ورقة إيرانية لا اكثر.
لا يمكن الاكتفاء بالكلام عن ان سنة 2020 كانت سنة الانهيار اللبناني. يمكن الذهاب الى ابعد من ذلك بكثير. يمكن القول بكلّ راحة ضمير ان لبنان الذي عرفناه لن يعود يوما. عودة لبنان صارت مستحيلة. لا مفرّ من صيغة جديدة في ظروف إقليمية مختلفة. من يصنع هذه الصيغة؟ سيعتمد الكثير على ما سيحدث في ايران نفسها حيث يوجد نظام مستعدّ للامساك باوراقه كلّها الى آخر لحظة غير آبه بما يحصل في العراق او سوريا او لبنان او اليمن.
في النهاية، لم يستح نوّاف الموسوي، وهو نائب لـ”حزب الله”، اضطر لاحقا الى تقديم استقالته لاسباب شخصية، من القول تحت قبّة البرلمان في العام 2019 “إن بندقية المقاومة هي من اوصلت ميشال عون للرئاسة”. عندما يحصل مثل هذا الامر في مجلس النوّاب يصبح سهلا فهم لماذا آل لبنان الى ما آل ايه. ما الذي يمكن توقعه غير “جهنّم” في بلد عربي يقرّر فيه “حزب الله”، الذي ليس سوى أداة إيرانية، من هو رئيس الجمهورية المسيحي في هذا البلد؟