عام 2020 الملعون ليس راحلاً إلا على ورق الروزنامة. هو في العالم “عام كورونا”. وفي أميركا عام كورونا والخلاص من ترامب الذي قالت له “نيويورك بوست” في المانشيت: “السيد الرئيس: أوقف الجنون، أنت خسرت”. وفي لبنان عام كوارث متراكمة سبقت كورونا ورافقته وتجاوزته في الخطورة. الوباء أصاب في لبنان مئات الألوف وقتل الآلاف، لكن المافيا السياسية والمالية والميليشياوية ضربت شعباً بكامله، ودفعت أكثر من نصفه الى خط الفقر، وجعلت مدخراته وهمية ومحجوزة. واذا كان “الرأسمال يدفع الزمان الى إنهاء المكان” كما قال ماركس، فان البؤس السياسي والإقتصادي جعل البلد خارج الزمان ويدفع المجتمع الى خارج المكان.
ولا قيمة للوقت عندنا، وإن كان بين المتحكمين بنا من يعمل بما قاله الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني لزائر اوروبي: “لديكم الساعات، ولدينا الوقت”. ولا خوف لدى المسؤولين من المثل القائل: “الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك”، لأنه في لبنان يقطع الناس، لا الذين لم يقطعوه. فالعيش، من قلة الموت، في ظل منظومة لا تغيّر ولا تتغيّر يستمر لسنوات من دون رئيس جمهورية ولشهور طويلة من دون حكومة ولعقود من دون انتخابات نيابية. يوم واحد بلا موازنة في أميركا يجبر الحكومة على إغلاق أبوابها. وعشر سنين بلا موازنة في لبنان لم تغلق أبواب الإقتراض، ولا التوظيف، ولا مزاريب الهدر، ولا زيادة الإنفاق والسطو على المال العام والخاص.
ونحن الآن عشية عام نسميه جديداً من دون موازنة ولا حكومة. نربط أنفسنا وتأليف الحكومة بالتوقيت الأميركي لانتقال السلطة، والتوقيت الايراني للتفاوض مع أميركا حول العودة الى الإتفاق النووي. وهذا ظلم. فلا اللاحكومة في لبنان ورقة ضغط جدية في يد طهران لرفع العقوبات الأميركية، ولا واشنطن “تشتري” حكومة في لبنان بالتنازل عن مطالبها من ايران. ولا الحكومة المقترحة سياسية مرشحة لاتخاذ مواقف استراتيجية في الصراع الجيوسياسي بل حكومة “إقتصادية ” تفتح الباب للثقة الدولية وانقاذ لبنان من الانهيار الكامل.
ومن الوهم تجاهل العقد المحلية، لا لأنها عصية على الحل بل لأنها مصممة لمنع نوع من الحكومات وفرض آخر.
والإشارات كانت واضحة، لكن القراءة المدفوعة بنوازع ذاتية وحسابات مركبة قادت الى وضع لم يكن خارج التوقعات: “التساكن” مهمة صعبة، ان لم تكن مستحيلة، ورئيس الجمهورية والرئيس المكلف عالقان في نقطة، بحيث لا يستطيعان التقدم او التراجع.
يقول البروفسور جوزف ناي: “السياسة فن لا علم”. لكن السياسة في لبنان هذه الأيام ليست فناً ولا علماً، ولا حتى سياسة بالحد الأدنى.