IMLebanon

2021 سنة الفرص المختبئة في رُكام الأزمات

 

إنتهت سنة 2020، وقد كانت من أصعب السنوات في تاريخنا اللبناني، الإقليمي والعالمي. لكن نستطيع أن نقول بفخر، أننا كأشخاص، كعائلات وكشركات، إستطعنا أن نصمد، ونواجه ونتعايش بجدارة مع كل صعوبات هذه السنة الإستثنائية، التي ستبقى محفورة في التاريخ إلى الأبد.

سيتباهى أولادنا يوماً ويقولون: «نحن وأهلنا عشنا هذه السنة (2020)، ونجونا منها، وأحفادنا وكل الأجيال المقبلة سيذكرون هذه السنة الفريدة من نوعها، وستكون محطة تاريخية كما الحربين العالميتين الأولى والثانية في ضمير كل إنسان في العالم. ولا نزال نتعلّم من تداعياتها ومن دروسها العديدة».

 

لا نريد أن نبكي على الأطلال، وأن نذكر فقط صعوبات السنة المنصرمة، بل علينا أن نذكر 3 محطات أساسية واجهناها في سنة 2020 ونتعلّم العبر منها، وهي:

المحطة الأولى: إنّ السنة الماضية بدأت بالتداعيات الإقتصادية الصعبة، إثر ثورة «17 تشرين» المُحقة والمشروعة، لكنها تركت تداعيات إقتصادية، وإجتماعية ومالية، ونقدية صعبة على اللبنانيين.

 

المحطة الثانية: كان القرار الذي اتخذته الحكومة في 7 آذار حيال التعثّر عن سداد سندات اليوروبوندز المستحقة، حيث تمنّعت عن دفع التزاماتها المالية، تجاه البلدان المانحة للمرة الاولى في التاريخ اللبناني، والذي ضرب ضربة قاضية المستثمرين الداخليين، والدوليين والبلدان المانحة. ومن ثم في 15 آذار، بدأ الحجر في لبنان، والحجر الدولي جرّاء وباء كورونا الذي فتك بملايين البشر، وأوقف عقارب الدورة الإقتصادية، وهزّ كل أركان الاقتصاد العالمي، ولا سيما سلاسل التوريد.

 

المحطة الثالثة: لا نستطيع إلا أن نذكر وبحسرة الإنفجار التخريبي والإجرامي والارهابي في مرفأ بيروت في 4 آب، الذي هزّ العاصمة ودمّر قسماً كبيراً منها، والذي حاول أن يُركّع اللبنانيين، لكنهم صمدوا ولم يركعوا أو يستسلموا. وقد تدهورت إثر هذا الإنفجار، الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والمالية والنقدية في لبنان، وازدادت سوءاً، وكأنه كان ينقصنا هذا الانفجار النووي الذي صُنع في لبنان، وقد أجّجت النيران الفساد، وسوء الإدارة وعدم المسؤولية.

 

لقد بدأنا العام 2021 بالأرقام الإقتصادية عينها التي تراجعت العام المنصرم، لكنّ البكاء واليأس وجلد النفس ليست في قاموسنا، لكن بكل أمل وشغف علينا أن نرسم استراتيجيات جديدة، حيث نستطيع أن نخرج من الأزمة الراهنة من خلال خطة إنمائية مبنية على 3 نقاط أساسية:

 

النقطة الأولى: من الضروري تفعيل السلطة التنفيذية كنقطة انطلاق، أكانت حكومة تصريف أعمال أو حكومة جديدة، إذ إنه من المستحيل إدارة الأزمة من دون سلطة تنفيذية فاعلة. ومن مسؤولية ومهمة حكومة تصريف الأعمال أن تعمل ليل نهار من أجل اتخاذ القرارات اللازمة، ومتابعة المفاوضات الشائكة مع صندوق النقد الدولي والبلدان المانحة والدائنة، وتمهيد الطريق للحكومة المقبلة، ومن واجب الرئيس المكلّف أن يُباشر بتحضير فرق عمل، وملاحقة الملفات، ليكون مستعداً لإدارة البلاد والأزمات في أسرع وقت ممكن، علماً أنّ كل شخص موجود في الدولة هو لخدمة بلده وشعبه وإنقاذهما.

 

النقطة الثانية: شعار التغيير يجب أن يُترجم إلى خطة تنفيذية وواقعية. وعلى التغيير أن يكون من ضمن مؤسسات الدولة ويحترم الدستور. التغيير يبدأ بالانتخابات النيابية الشفافة، أكانت مبكرة أم في موعدها، لذا على المجتمع المدني وشباب الثورات ومطالبي التغيير، أن يتحالفوا وراء رؤية مشتركة واستراتيجية واضحة، ويبنوا تحالفات بنّاءة. إن التغيير والإنتخابات يحتاجان إلى أشهر وسنوات من التحضير، وبناء أسس متينة، ولا سيما عدم الانقسام الشائن كي لا نقع في خيبة الأمل.

 

النقطة الثالثة: لا شك في أنّ القطاع الخاص اللبناني تعب وأُصيب بالوهن. ونشهد يوماً بعد يوم إقفال شركات، وصرف عمّال… لكن من جهة أخرى، هناك شركات لا تزال تنمو وتستثمر. وعلينا كقطاع خاص ورياديين أن نخرج من منطق الإستقلالية والتفرّد ونعمل كجماعات متضامنة ضمن منطق الدمج والإنخراط والتآزر لمواجهة هذه الأزمة سوياً، وإعادة النمو والإستثمار في وقت قريب. لا نستطيع أن نُواجه هذه الصعوبات إفرادياً، لكننا في خندق واحد، وعلينا توحيد الجهود لتزداد عزيمتنا وفعاليتنا.

 

إذاً، في سنة 2021، علينا تحديد واستقطاب الفرص المختبئة في رُكام أزمات 2020، وعلى الشركات أن تقوم بإعادة رسم استراتيجيتها وهيكلتها وتخيّلها للمستقبل، وتنويع أعمالها وسلعها كي تُواجه الأزمات الخانقة، وتستعيد التطوير والنمو في وقت قريب.

 

سنة 2020 كانت سنة إدارة الأزمات، فعلينا أن نصنع من سنة 2021 سنة القرارات الحاسمة أكانت سلبية أم ايجابية، فإدارة الأزمات لا يُمكن متابعتها على المدى المتوسط والبعيد، لكن علينا التغيير في الإستراتيجيات، وفي الاستثمارات والرؤية، وأن تكون لدينا الشجاعة والنضج لاتخاذ القرارات البنّاءة والمنتجة. إنّ الرياديين اللبنانيين داروا حول الكرة الأرضية واستثمروا في كل المجالات، ولا سيما في بيئات غير مستقرة ومخاطر عالية، ونجحوا حين كان الآخرون يهربون من عدم الاستقرار. علينا مرة أخرى أن نثبت للعالم أنّ الرياديين ورجال الأعمال اللبنانيين هم الأنجح والأبرَع، لأنهم يتأقلمون مع كل الأوضاع مهما كانت صعبة، ولم ولن يستسلموا مهما حصل.