يقشعر بدن بعض اللبنانيين عندما يسمعون بكلمة “الحياد” ويبدأون بإطلاق الإتهامات تجاه مؤيديه وحدُّها الأدنى “الخيانة”، فهم يريدون للبنان وشعبه أن يبقى متورطاً في نزاعات المنطقة وأن يدفع اللبنانيون معهم ثمن تعنتهم وسياساتهم التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم.
“الحياد” لا يعني سلاماً مع العدو الإسرائيلي وأن يقف اللبنانيون مكتوفي الأيدي تجاه أي اعتداء خارجي يستهدف بلدهم لا سيما من قبل هذا العدو بل سيتوحدون جميعاً خلف جيشهم ودولتهم في صدِّ هذا العدوان ومنعه من تحقيق أهدافه بمقاومة وطنية يشارك فيها الجميع، لكن “الحياد” لا يعني أيضاً أن يحمل لبنان وحده وزر القضية الفلسطينية ولواء تحرير فلسطين، أو أن يضع في أولوياته مصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والمصالح السعودية والأميركية والأوروبية، فالحياد يعني أن تكون مصالح لبنان واللبنانيين هي الأولوية، مصالح الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي وهي السبيل الوحيد لازدهار البلد وتطوره.
لقد استجلب التورط “اللبناني” الخارجي المزيد من المشاكل والأزمات وفي مقدمها تداعيات العقوبات الأميركية والأوروبية والعربية التي تعرض لها “حزب الله” وقد أصابت اللبنانيين جميعاً فدفعوا الثمن من اقتصادهم وأوضاعهم المالية والمصرفية وتحويلاتهم المالية وعلاقاتهم الدولية والعربية ولا سيما مع دول الخليج التي كانت وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، تقدم الدعم المالي وغير المالي للبنان، ولم ينجح هذا التورط في ملء الفراغ الذي نجم عنه، لأن الدول التي يدور في فلكها لا تملك قدرات سياسية ومالية واقتصادية وتقنية تمكنها من أن تحل مكان الدول التي اعتاد لبنان على التعاطي معها في كل المجالات.
ليس الحياد جريمة ولا تفريطاً بالوطنية، وليس الحياد استقالةً من التفاعل مع القضايا الإقليمية والدولية ولكنه تفاعلٌ يجب أن يصبَ في مصلحة لبنان أولاً باعتبار أن أيَّ مصلحة عربية أو إسلامية موحدة لم تعد موجودة، وليس لبنان من على عاتقه جمع العرب والمسلمين والدفاع وحيداً عن قضاياهم وهو الذي يدفع حتى الساعة ثمن خلافاتهم وحروبهم وتدخلاتهم.
في لبنان هموم ومشاكل تفيض عنه والحاجة الملحة هي لمعالجتها ومحاسبة المتسببين بها، ولا يجوز لأحد أن يستجلب للبنانيين المزيد من المشاكل والأزمات من خارج الحدود، فبدل صرف الجهد على إظهار مدى صدق الولاء والتبعية العمياء لهذه الجهة الخارجية أو تلك، لنصرفه على بناء دولة قوية فاعلة ولو بنظام مختلف عما هو قائم اليوم، فكل شيء مباح ومسموح من أجل تجنب تكرار تجارب الخراب الماضي البعيد والقريب، وتجارب الحاضر البغيض، وما هو ممنوع ومدان أيضاً هو ألا يكون لبنان أولاً.