IMLebanon

أن يكون لبنان أو لا يكون؟

 

جلسة الثقة التي رعاها الرئيس بري يوم الثلاثاء الماضي، تم تقاسم إعطاء الثقة ما بين فريقين أساسيين من النواب، الأول منحها الثقة بصوت خافت ولأسباب باهتة تميل في واقعها الأساسي إلى غياب لأهم أسباب التأييد والقناعة، حتى إذا ما تناولنا كل كلمة من كلمات ممثلي حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل، سواء قيلت في المجلس النيابي أم في حواشيه وخارج إطاره، لوجدناها تؤيد وتتحفظ في الوقت نفسه وتتمنى للرئيس دياب النجاح والتوفيق بعد أن تكون قد عددت بالتفصيل الدقيق جملة المواقع والمطبات والأسباب التي تجعل من نجاح الحكومة في مهامها وأهدافها المتوقعة، أمرا صعبا إلى حدود الإستحالة، أما الفريق الآخر المؤلف بصورة خاصة من الأحزاب والنواب الذي حجبوا الثقة بالرغم من تلاعبهم على حافة اتخاذ الموقف السليم، فقد قسّموه بين حضور للجلسة أتاح تأمين النصاب لها، وبين موقف رافض لمنحها الثقة، وهو موقف مستغرب على جهة سياسية تهيىء نفسها للسباحة في بحار المعارضة الشرسة، النتيجة التي أسفرت عنها جولات تشكيل الوزارة تجمع إليها جملة من الوزراء المستقلين والمحايدين، اذا بها وقد دارت بها الدوائر، وأسلمت قيادها إلى من بيده الأمر والقرار، فجاءت حكومة لون واحد يتخفى بجملة من الأشكال والألوان التي لم تحجب عنه صفته الأساسية التي أطلت عليه في الداخل وفي الخارج، وهي «حكومة حزب الله» .

 

والآن وبجهد جهيد قام به الرئيس برّي، تم توضيب هذه الثقة التي نالتها الحكومة، فإذا بها ثقة هزيلة الحجم، تفتقر إلى جملة من الصفات وفي طليعتها، حياديتها وميثاقيتها وارتباطها بجذور اللبنانيين جميعا، واذا بها حكومة مفتقرة إلى التأييد الداخلي الشامل، فهي مرفوضة من قبل الحراك الثوري الكبير الذي ساد الساحة السياسية منذ أواخر العام المنصرم واذا بسلطة الرأي العام والمدّ الشعبي الهائل والمتغلغل في صلب الفئات والجهات والطوائف والمذاهب اللبنانية يواكبها ويساعدها في إثبات سلطتها الأساسية التي يصعب أن يكون فوقها سلطة، حتى لو كانت سلطة الدولة والحكومة بكلّ وزرائها والمجلس بكلّ نوابه، وإذا بكلمتها الواقعية والحقيقية، الكلمة الفصل والأكثر وهجا والأشد أثرا، وإذا بغالبية شعبيته تكيل لها التأييد، واذا كنا نبحث عن موقف وكلمات تحفظ مقامها ودورها، فلنا في كلمة المطران بولس عبد الساتر التي ألقاها في بكركي بمناسبة عيد مار مارون، وما وجهه من نقد عارم وتوجيه حازم بكل ما تعلق بالأوضاع اللبنانية المتدهورة، وعلى مواقف المسؤولين اللبنانيين الذين كانوا حاضرين في ذلك الاحتفال الوهّاج وقد هبّوا جميعا وقوفا أمام أهمية الكلمات وشموليتها وتناولها للأوضاع اللبنانية بصورة دقيقة المنطق وعميقة الجذور وأرفقوا موقفهم بتصفيق حاد بصورة غير معهودة في مثل هذه المناسبات في الوقت الذي امتنع فيه الرئيس عون والرئيس دياب عن المشاركة في التصفيق وقد بدا عليهما ملامح الامتعاض والتحفظ الشديد.

 

أما الرئيس بري فكان مشاركا للمصفقين وكأنه انضوى إلى صفوف المؤيدين، بينما دوره في توضيب وترتيب جلسة الثقة ونتائجها، معروف وموصوف.

 

وعليه، الحكومة منذ أول أمس، أصبحت حكومة «عن حق وحقيقة».

 

القرارات المنتظرة منها، من حيث المبدأ، باتت على أبواب الإنجاز والتنفيذ، ومن حيث الواقع: سترك يا الله. ومما لا شك فيه أن أية حكومة سبق تأليفها لم تمر بمثل هذه الظروف والاوضاع القاسية بل والخطيرة.

 

من هنا، وبالرغم من بعض القسوة التي رافقت تأليفها وتشكيلها، إلاّ أنها كانت قسوة مع مراعاة أوضاع تأليفها ومع محاولة رئيسها الخروج من ظروف تحويلها إلى حكومة ذات لون واحد، ومع ذلك، بعض المعارضين الأساسيين أعلنوا فور التصويت أنهم وإن حجبوا الثقة عنها إلاّ أنهم سيتعاملون معها ويتحاسبون «على القطعة» بمعنى أن يؤيدوا خطواتها وقراراتها في كل قضية وكل قرار على حدة، مع الأخذ بعين الإعتبار، أن جزءا كبيرا من قراراتها مرتبطة بأوضاع وقرارات خارجية وبالتحديد، قرارات مرتبطة وناتجة عن النزاع الأميركي –الإيراني وارتباطه بكثير من أوضاعه بالعلاقة مع حزب الله ومع نتائج تصنيفه من قبل الولايات المتحدة كحزب إرهابي، كما بارتباطه بالعلاقة مع البلدان العربية وخاصة منها بلدان الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، فالعلاقة مع كل هؤلاء مرت بأوضاع ومراحل متأججة لعلها نشأت منذ التسوية التي تمت على الصعيد اللبناني وأدت إلى وصول الجنرال عون إلى موقع الرئاسة، ومنذ ذلك الوقت لم تستقر العلاقة اللبنانية– الخليجية على موقع ثابت وإيجابي انقطعت المساعدات المالية والإقتصادية عن لبنان في وقت كانت فيه أوضاعه المتدهورة قد تطورت سلبيا إلى أخطر الحدود حكومة الرئيس ديابأطلت على الوضع اللبناني وهو في صلب هذه الأحوال المعقدة والمهددة بأقسى المخاطر.  مثل هذه الأوضاع التي تحسب لها كل هذه الحسابات التي لم يعرفها لبنان على مثل هذه الحدّة والشدة من قبل، وبالنسبة للوضع الإقتصادي ومدى خطورته وتدهوره فقد عبر عنه السفراء الغربيون في اجتماعهم قبل مدة في باريس، وكانت تعابير وتعليقات ممثل الأمم المتحدة الذي حضر الإجتماع وتحدث باسم المجتمعين، أفضل الكلام وأوضحه عن حقيقة الأوضاع اللبنانية التي لا تدعو إلى الإطمئنان.

 

نريد مواكبة هذه الحكومة حرصا على لبنان وسلامه كيانه، ولكن، المنطق وحقيقة الأحوال تجافي أية حظوظ لبنانية في تجاوز المحنة.