Site icon IMLebanon

حتى الرّمق الأخير  

 

مُعذَّبٌ ومُعَذِّبٌ لبنان الذي قُدر لنا الولادة والعيش فيه، كأن قدرنا أن نصارع حتى الرمق الأخير لنصل إلى مرحلة نعيش فيها مع أبنائنا ما هو أقل بكثير من «كفاف يومنا»،ألا يكفينا حال الذلّ والفقر والتآمر علينا وعلى لبنان، وازددنا فوقها هواجس الوباء الواقع الهشّ في التعامل معه، فزيدت على مآسي اللبنانيّين وقائع الوسواس القهري اليوم؟!

 

وكأنّ هذه الطبقة الحاكمة الوقحة هي قضاء وقدر لبنان وشعبه البلد يتجاذبه الانهيار وتتلبّسه الادّعاءات والهرج والمرج والتباس الصور واختلاطها وإحساسنا المخيف بالعجز التام والاستسلام؟! مُزرٍ ومبكٍ ومفجعٌ حال لبنان وسياساته التي لا تجيد إلا فنّ الانتحار ونحر البلد والشعب، وحتى بعيداً عن لبنان كأنّ هذا العالم لا تكفيه حروبه وتوتراته حتى ضربه وباء ينتشر بسرعةمخيفة متنقلاً من دولة إلى دولة،  في القرون السابقة وفي زمن الوباء كان الجهل بأخباره نعمة، أسوأ من الوباء أن تطاردك أخباره طوال النهار والليل إلى درجة تشعر معها أن العالم يعيش حالة هذيان حقيقيّة، هذا عدا عن الأخبار اليومية الدمويّة المعتادة، «كتير هالقدّ»!

 

ما أحوج لبنان المبتلى ببلاءات كثيرة على رأسها قلة حكمة سياسيّه وتعنتّهم وجفاصتهم ووقاحتهم في التهاون بشؤون البلد والنّاس إلى تلك الموعظة البليغة لأشهر قساوسة مكّة قبل الإسلام، قس بن ساعدة الأيادي، ما أحوجهم إلى حفظ كلماتها وتلاوتها كفعل ندامة عن ظهر قلب «بركي بيحسّوا عدمّن» مع يقيننا التام بأنّهم «بلا إحساس»، ما أحوجهم إلى كتابة خطبته الشهيرة «قصاص» ألف مرّة علّهم يتوبون عن التمادي في غيّهم، ليت لبنان يتراءى لدقائق  وكأنّه سوق عكاظ وشعبه يقف مصغياً لكلمات قسّ بن ساعدة وصداها يتردد في آذان هؤلاء الذين لا يقيمون أي اعتبار لهذا الشعب وعذاباته:»أيها الناس، اسمعوا وعوا، وإذا سمعتم شيئاً فانتفعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. إن في السماء لخبراً، وإن في الأرض لعِبَراً (…) ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرَضَوْا بالمقام فأقاموا أم تُرِكوا هناك فناموا؟ تباً لأربابِ الغافلة والأمم الخالية والقرون الماضية (…) يا معشر إياد، أين الآباء والأجداد؟ وأين المريض والعوّاد؟وأين الفراعنة الشداد؟ أين من بنى وشيّد، وزخرف ونجّد؟ أين من بغى وطغى، وجمع فأوعى، وقال أنا ربكم الأعلى؟ ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً، وأطول منكم آجالاً؟ طحنهم الثرى بكَلْكَلِه، ومزّقهم الدهر بتطاوله، فتلك عظامهم بالية، وبيوتهم خاوية،عمرتها الذئاب العاوية (…)، ثم أنشد قس بن ساعده بحكمته ما سيبقى سارياً علينا في كلّ آن وزمان، ولكن.. هيهات أن ننتفع أو نعتبر: «في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر/لما رأيت موارداً للموت ليس لها مصادر/ورأيت قومي نحوها تمضي الأصاغر والأكابر/لا يرجع الماضي إليّ ولا من الباقين غابر/أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر».

 

لقد تعب اللبنانيون من هذا الواقع الذي يزداد قتامةً،  في أسوأ أيام الحرب لم يخطر للبناني أنّه سيحرم من سحب ودائعه من المصارف التي سطت عليها من دون أن يحاسبها أحد، الناس غارقة في الذلّ في جريها خلف المعايش وهموم تأمين اللقمة لأطفالها والدواء والكساء ودفع شرور الوباء، في مواجهة طبقة سياسيّة تعيش في غيبوبة، فلا هي ترحم ولا تريد لرحمة ربّنا أن تنزل على هذا الشّعب المسكين!