تهديد السيّد حسن نصرالله، بفتح الأجواء اللبنانية أمام الآلاف من المتطوّعين المسلمين إلى جانب «مجاهدي» «حزب الله»، في مواجهة أي حرب مع إسرائيل، مُكمِّل لعمليّة القصف بالصواريخ الباليستية من داخل إيران إلى سوريا ضدّ «داعش» الذي هاجمت مجموعة منه الهدفَين الرمزيَّين للجمهورية: ضريح الإمام الخميني، ومجلس الشورى. لذا فإنّ هذا ليس تهديداً برفع «السُبابة» وإنما هو إشارة انطلاق للعبور نحو مرحلة جديدة من الصراعات في منطقة الشرق الأوسط.
استقدام المقاتلين الشيعة الأفغان والباكستانيين والعراقيين إلى لبنان، يعني تحويل لبنان إلى مساحة مفتوحة لحرب، الانتصار فيها مستحيل والهزيمة فيها ممنوعة. المؤكّد الوحيد من هذه الحرب أنّها ستحرق الأخضر واليابس في لبنان. بحيث أنّ الحرب في سوريا لن تكون أكثر من تجربة ميدانية محدودة بالنسبة لما ستكون عليها أي حرب بين «حزب الله» ومعه جميع الميليشيات الشيعية التي سيتمّ استقدامها من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.
السؤال الكبير: هل يمكن ضبط ردود الفعل الإسرائيلية ضدّ «القائد» الفعلي لمثل هذه الحرب
أي إيران، خصوصاً أنّ دورها سيكون مكشوفاً لأنّه يستهدف إسرائيل نفسها؟
من الصعب جداً أن تتسامح إسرائيل مع مثل هذه الحرب التي ستبدأ بالوكالة لتصبح مع الوكيل. ما يؤكد ذلك أنّ إسرائيل لم تعد «تتسامح» مع أي عملية عسكرية ضدّها في الجولان إلى درجة أنّ بنيامين نتنياهو قال: «سنرد على أيّ عملية إطلاق نار من الأراضي السورية حتى ولو عن طريق الخطأ» وذلك خلال احتفال في الجولان المحتل. باختصار أيضاً، إذا كان ممنوعاً الاستيلاء على مواقع في الجولان فكيف إذا تطوّرت الحرب وحاول «الحزب» والميليشيات الشيعية اختراق «الخط الأزرق» وشنّ هجمات داخل الجليل أو إطلاق صواريخ باليستية من نوع «زلزال – 3» على المدن الإسرائيلية التي في متناولها؟ والتي يقول هرتس هليفي رئيس الاستخبارات العسكرية عنها بأنها «تهدّد عشرين دولة في المنطقة لأنّ لها قواعد موجودة في لبنان واليمن».
خطورة هذا التهديد باستقدام «متطوّعين» إلى لبنان، أنّه يتكامل استراتيجياً مع الخط البرّي الذي يصل إيران عبر الأراضي العراقية بسوريا، والذي أطلق عليه «الطريق السريع الذي يصل كربلاء بدمشق» أي «مقام الإمام العباس بالسيدة زينب». هذا الخط البرّي إذا أصبح ثابتاً ومفتوحاً، يُشكّل افتتاحاً لرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط. وهو من دون شك سيكون نقطة قوة لإيران في «أي مفاوضات لاحقة» حول العراق وسوريا و«حزب الله»، وبطبيعة الحال مساحة نفوذها في الشرق الأوسط الجديد.
رغم كل التصريحات الإسرائيلية بما فيها ما صدر خلال مؤتمر هرتسليا السابع عشر الذي شاركت فيه جميع القيادات الإسرائيلية ما عدا بنيامين نتنياهو، بـ«أنه لا قرار بالحرب ضد لبنان الذي يجب إذا اندلعت أن يغادر اللبنانيون منازلهم»، فإن ذلك لا يلغي أبداً إمكانية وقوعها لأنّ إسرائيل كما قال وزير الدفاع افيغدور ليبرمان «تنشط في الشمال (المحاذي للجنوب اللبناني) وكأن هناك قنبلة موقوتة على وشك الانفجار».
ما يطمئن إسرائيل أنّه «لا حرب هذا الصيف»، أن الوضع الصعب الذي يمر به «حزب الله» يقيّده. الإسرائيليون سرّبوا ويسرّبون «أنّ حزب الله يمرّ منذ عامين في ضائقة مالية، خصوصاً أن تعويض العائلات التي فقدت أبناءها في سوريا (وهم حسب المصادر نفسها يمثّلون ثلث قواته) يشكّل عبئاً هائلاً على الحزب في وقت خفضت فيه إيران مدفوعاتها له». هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إن نظام بشار الأسد وإن كان يزداد قوّة إلاّ أنه غير قادر على الحسم، وطالما أنّ الحرب مستمرة في سوريا فإنّ «حزب الله» سيبقى غاطساً في «الرمال المتحرّكة السورية».
أما إيران التي على الرغم من كل التصريحات المبشرة بالانتصار والقوة فإنها تبدو قلقة وتحسب ألف حساب لكل خطوة تخطوها وتقرّبها من «بركان النار». ذلك أنّ إيران تعتمد الحرب استراتيجية لحماية حدودها ومدّ نفوذها مستندة على تضحيات المتطوّعين أو المجنّدين الذين ليسوا أكثر من «لحم مدافع» تكلفتهم محدودة. أما في حال تحوّل الحرب إلى حرب مباشرة معها فإنها ستتحرّك على قاعدة حسابات جديدة. ما يؤشر أكثر إلى ذلك ما جرى تسريبه أميركياً عن «استعدادات للقيام بما يلزم لإسقاط أو لتغيير النظام القائم في إيران، والذي واجهته طهران بالتذكير باتفاق 1981 الذي تعهّدت فيه واشنطن بعدم العمل على إسقاط النظام أو تغييره».
ما دفع واشنطن إلى هذا التصعيد أن وضع إيران الداخلي لم يعد مستقراً كما كان خلال العقود الثلاثة الأخيرة. ذلك أن الانتشار الخارجي الذي جعل إيران قوة إقليمية كبيرة ومتواجدة وممسكة بالقرار في أربع عواصم عربية، حوّلها إلى «عملاق أرجله من فخار». هذا «العملاق» يعاني حالياً من أزمة اقتصادية تتمثّل في تصاعد منسوب البطالة والتضخم رغم كل الجهود المبذولة، إلى جانب ذلك انتقال «النار» الخارجية ولأسباب إيرانية إلى قلب الداخل الإيراني، عبر «أحزمة» العرقيات والمذهبيات والقوميات حيث تقع مواجهات مسلحة عديدة في كردستان – إيران وبلوشستان – إيران والتي منذ «عملية طهران» جرى وضعها في خانة «داعش»، التي يمكن أن تتطوّر لتصبح أكثر خطراً بفعل المواجهات والجو الأمني الخانق. هذا عدا الصراع الداخلي الذي يتعمّق يومياً بين «جبهة» الأصوليين الذين يعملون بكل الوسائل ضد الوسطيين «الروحانيين» والإصلاحيين لإبقاء «يدهم» قابضة على «مفاتيح» السلطة حتى ولو كانت أغلبية الإيرانيين، كما أكدت في انتخاب حسن روحاني رئيساً للجمهورية، تريد التغيير والانفتاح على طريق الانتعاش الاقتصادي.
لا توجد ضمانات بوجود حدود لاشتعال النار في أي نقطة من الشرق الأوسط. لكن من المؤكد أن استقدام «متطوّعين» يعني «ڤتنمة» لبنان التي كِلفتها عالية جداً وبلا مردود وطني أو قومي، لأنها لمصلحة دولة أجنبية هي إيران، في حين أن الشعب الفيتنامي خاض الحرب لتحرير بلاده فقط. الدليل أنه اليوم شعب حرّ في أرض حرّة، ومستقل القرار رغم أنه واقع بين القوى العظمى الثلاث: الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين.
أمّا لبنان فإنه بعد تدميره قد يخسر استقلاله!