Site icon IMLebanon

لبنان يحتضر: بحاجة إلى حفلة «عزالة كبرى»

 

«عزالة كبرى» هي في واقع الحال ترجمة بالعامية لعبارة «grand ménage» باللغة الفرنسية.

 

ما عنيته هو أن لبنان يحتضر ككيان ودولة في ظل سيطرة منظومة الفساد على مقاليد السلطة والمجتمع. لا إمكانية لإصلاح الوضع إذا إستمرت هذه المنظومة على قيد الحياة (تعبير مجازي. توضيح ضروري كي لا يؤخذ كلامي بحرفيته ويتهموني بإرادة القتل أو التحضير والتحريض على تحرك دموي.).

 

على رأس هرم المنظومة نجد الطبقة السياسية الحاكمة (موالاة ومعارضة) وعلى رأسها يتربع حزب الله (وهو بات جزء لا يتجزأ منها) باسطا» سطوته عليها.

 

الحزب هو رئيسها وهي بخدمته.

 

يسكت عن فسادها ويشاركها إياه بحجة ضرورات القضية.

 

هي تغطيه دولتياً  وتجهد لتغطيته دولياً في مسار تحقيقه لمشروعه الإقليمي والدولي وهو ينظملها  لعبة السلطة والمال محاصصاتها وفسادها وخصوماتها عبر سياسة حكيمة تتصف بدقة الجوهرجي بخلق التوازنات فيما بين مكوناتها تجعلها دائما» أكثر حاجة إلى دوره كضابط إيقاع فيما بينها.

 

حزب الله بحاجة لها وهي باتت بحاجة ماسة له، إلى حد يمكن القول أن علاقتهما باتت عضوية وأن أي تغيير حقيقي بات يتطلب إزاحتهما عن السلطة معا».

 

في الدرجة الثانية في هرم منظومة الفساد نجد الدولة العميقة (المؤسسات، الإدارات، الأجهزة وبعض الجيش، غالبية القضاء في حالته الحاضرة…) التي هي في الوقت عينه أداة تنفيذ وتحكم للطبقة السياسية الحاكمة وشريك مستتبع لها. فهي من رأس هرمها إلى قاعدتها السفلى، مع بعض الإستثناءات القليلة، واقعة في قبضة الطبقة السياسية الحاكمة عبر محاصصة مزمنة قائمة على الزبائنية السياسية، مما يجعل الدولة العميقة فاسدة وعضوياً مرتبطة بالطبقة الحاكمة وبخدمتها.

 

أما المكون الثالث لمنظومة الفساد، فهي المؤسسات المالية (حاكمية مصرف لبنان والمصارف).

 

في ظل إمساك الطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة بالسلطة تحت سطوة النظام السوري المافياوي ومن ثم الجمهورية الإسلامية في إيران عبر حزب الله الذي هو جزء لا يتجزأ منها، كان لا مفر أن يتماهى هذا المكون مع الوضع القائم.

 

كلامي هذا لا ينفي مسؤولية حاكمية مصرف لبنان أو مالكي المصارف وأصحاب القرار فيها في لعب دور في تسهيل سرقة المال العام (أي مال الشعب) ومال المودعين، معرضين بذلك سمعة القطاع المصرفي اللبناني الذي يشكل إلى جانب الجيش اللبناني ركيزتي لبنان الكيان والدولة.

 

إن المكونات الثلاثة لمنظومة الفساد والأطراف المنتسبة لكل منها تحاول رمي المسؤولية على بعضها البعض. ذلك ناتج عن إستفحال الأزمة وعن مصالحها الضيقة المتضاربة. «فالضيق يولد النقار»، كما يقول المثل الشعبي المعروف. غير أنها لا ولن تذهب إلى حد إلغاء بعضها بعضا» لأنها تنتمي إلى منظومة الفساد ذاتها ولأن إلغاء أحد أطرافها قد يؤدي إلى تضرر أو زوال المنظومة بكافة أطرافها.

 

هذا العرض يثبت أن لا إمكانية للتغير من خلال المسارات الدستورية.

 

أي حكومة، مهما كانت «مستقلة»، وأي وزير ولو كان من أبناء الإنتفاضة لا يمكنه التغيير في ظل دولة أصبحت ممسوكة بالكامل من منظومة الفساد وفي ظل موازين القوى القائمة الذي يشكل السلاح عنصراً رئيسياً وأساسياً فيه. كما أن أية إنتخابات ،مبكرة أم لا، وطبقاً لأي قانون إنتخابي لن يتنتج عنها تغيير ذات شأن في المجلس النيابي، إذ بالإضافة إلى قوة سلاح حزب الله، تمتلك الطبقة السياسية سلاح الدولة العميقة إلى جانب التنظيم والخبرة والمال.

 

إذاً، لا إمكانية للإصلاح عبر المسالك الدستورية، ولا إمكانية بالتغيير بالتدرج. بات النهج الراديكالي هو الأسلوب الوحيد الناجع المؤدي إلى خلاص لبنان الكيان والدولة.

 

من هنا وإنطلاقاً من خبرتي الطويلة في العمل الوطني، رسالتي إلى من ينتمي إلى الثورة أن لا يدخل نفسه في لعبة الوصول إلى السلطة بهدف تغيير التوازنات داخلها، وذلك لعدة أسباب.

 

أولها، أن مشكلة لبنان الكيان والدولة هي مشكلة وجود (أن يبقى لبنان أو لا يبقى)، مما يتطلب إعطاء الأولوية المطلقة لخلاصه.

 

السبب الثاني هو أن العمل الوطني والسعي إلى الوصول إلى السلطة على طرفي نقيض عموما» (هذه عبرة إستنتجتها من تجربتي الطويلة والمكثفة في العمل الوطني)، حيث أن أولويات الوصول إلى السلطة ليست بالضرورة أولويات العمل الوطني.

 

السبب الثالث، هو أن السعي إلى الوصول إلى السلطة في ظروف مثل ظروف لبنان الحالية قد يدفع هذا أو ذاك من أهل الإنتفاضة، بهف كسب أصوات قاعدة هذا «الزعيم» أو ذاك، إلى التعاطي معه برفق لكي لا يحرج من يريد كسب أصواتهم، كما أن هذا السعي يجبر من يستوزر إلى التعاطي الإلزامي مع أهل السلطة وفميا لو أصبح وزيرا» يقف عاجزا» إذ سوف يصدم بإدارة وزارته المنتمية إلى منظومة الفساد. بالخلاصة يمكننا القول أن السعي إلى الوصول إلى السلطة عبر المسالك الدستورية في هذه الظروف يخدم المنظومة الفاسدة ويطيل من عمرها، وبالتالي لا يخدم هدف خلاص لبنان.

 

أما الفتنة التي يتحدثون عنها والتي تضع لبنان على شفير الإنزلاق إلى حرب طائفية يهولون بها وهي لن تحدث، علما» أنهم هم أبطالها وهم الذين يستفيدون من التلويح بها، متكافلين متكاملين عبر حروبهم الطائفية الصغيرة المصطنعة فيما بينهم بهدف إعادة الإمساك بالمبادرة السياسية من باب الدفاع عن حقوق الطوائف ولحرف الأنظار عن إرتكاباتهم التي أوصلت البلد إلى الخراب المتمادي.

 

عوارض المرض هي إقتصادية-مالية-نقدية، إجتماعية-معيشية وتطال مجالات الحياة كافة. لبنان الكيان والدولة يحتضر وقد يصل إلى حد عدم الوجود.

 

إن منظومة الفساد باتت عاجزة حتما» حتى عن وقف مسار تدهور لبنان إلى الهاوية. من الواضح أن الخارج المقتدر لا يريد مساعدته لأن سلطة الدولة باتت في يد حزب الله وأن ما يسمى التوجه نحو الشرق محظور وغير ذي جدوى. أما الحلول الداخلية، فتصطدم بجشع منظومة الفساد التي تمتنع حتى عن التخلي عن قسم مما سرقته وتريد تحميل الشعب اللبناني ولا سيما الطبقة الفقيرة والمتوسطة منه عبء نهبها له.

 

الأيام القادمة سوف تكون قاسية على اللبنانيين. يجب عدم إخفاء الحقيقة عليهم.

 

وما علينا إلا الصمود وتنظيم الصفوف والتوحد حول رؤية واضحة وإستراتيجية واحدة وبرناج عمل واحد بإنتظار أن تتقاطع مصلحة القوى الدولية والإقليمية مع مصلحة لبنان الكيان والدولة.

 

عند هذا الحد، يجب إقامة سلطة مؤقتة لمدة سنتين، مشكلة من نخبة عسكرية ومدنية لا تأتي من العدم، تعمل تحت رقابة المجتمع الدولي (لكي لا تنحرف)، تعلق الدستور وتقوم بمهمة «العزالة الكبرى» لإجتثاث الأمراض التي ولدتها الطبقة السياسية الفاسدة، فتطهر مؤسسات وإداراة وأجهزة الدولة كافة.

 

بعد مدة السنتين يعاد العمل بالدستور: فتتم إنتخابات نيابية وفق قانون متوافق عليه ومتجانس مع الدستور وإتفاق الطائف. تشرف على الإنتخابات السلطة المؤقتة في ظل رقابة دولية. ينتخب النواب رئيس المجلس النيابي ومكتبه. وينتخبون رئيسا» للجمهورية  يجري الإستشارات الملزمة لتعيين رئيس الحكومة، وتشكل الحكومة وفق الآليات الدستورية.