بعدما انحسر السجال بين الرئاستين الأولى والثانية على خلفية مرسوم الاقدمية لضباط دورة 1994، عاد الاهتمام يتركز على الاستحقاق الانتخابي في السادس من أيّار المقبل من جهة، وعلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به لبنان والناتج عن ارتفاع الدين العام ووصوله إلى عتبة مائة مليار دولار أميركي في العامين المقبلين من جهة ثانية، وذلك بشهادة رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان الذي دق، بعد اجتماع اللجنة أمس، ناقوس الخطر في حال لم تتصد الحكومة إلى هذا الوضع الدقيق بسرعة وبموضوعية علمية، ومتسائلاً في ذات الوقت عن الأسباب التي ما زالت تؤخّر إحالة مشروع قانون موازنة العام 2018 إلى المجلس النيابي، وما هي الإجراءات التي تعتزم الحكومة اتخاذها لخفض الإنفاق في كل مؤسسات الدولة بنسب يجب أن تصل إلى ما فوق الخمسين بالمئة.
رئيس لجنة المال أكّد لمن يعنيهم الأمر ان مثل هذا الوضع لا يُمكن أن يستمر لأن المؤسسات الدولية والدول المانحة لا يُمكن بدورها ان تستمر بدعمها للبنان في غياب الإصلاحات التي أُقرت سابقاً في الهيئة العامة.
النائب كنعان أطلق هذه التحذيرات في الوقت الذي كان رئيس الحكومة يُشارك في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، ويسعى مع الدول المشاركة فيه لدعم لبنان من أجل مواجهه صعوباته الاقتصادية والمالية التي يتخبّط بها نتيجة غياب الرؤيا عند المسؤولين اللبنانيين، بل نتيجة اللااستقرار السياسي الذي يتوجّب توفره كمدخل أساسي لا مناص منه للانتقال إلى مرحلة التصدّي للمشكلات الأخرى، وفي مقدمتها الوضع الاقتصادي الصعب.. وذلك قبل انتقاله إلى العاصمة الفرنسية لمتابعة البحث مع الرئيس ماكرون في سبل انعقاد مؤتمر باريس- 4 المقترح لدعم لبنان وانتشاله من مأزقه الاقتصادي والمالي، بدءاً بالتخفيف من تفاقم الدين العام الذي وصل حسب الخبراء الدوليين إلى حدود باتت تُهدّد الدولة اللبنانية بالافلاس كغيرها من الدول التي مرّت في هذه الحالة، ومنها على سبيل المثال اليونان.
هذا الوضع الصعب الذي يمر به لبنان ربما كان الدافع الأساسي لوقف الاشتباكات السياسية التي شغلت العهد والحكومة عن القضايا الأخرى وعلى رأسها الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وهذا شيء إيجابي يُمكن ان يسجّل لأرباب السلطة في هذا الزمن الرديء، لكن ما من أحد يُمكن ان يضمن استمرار هذه الهدنة، ما دام كل فريق يتمترس وراء مواقفه ويرفع سقف التحدي في وجه الفريق الآخر، حتى وصل بهم الأمر إلى اللاعودة، ما من شأنه ان يُعزّز المخاوف عند اللبنانيين وعند الدول التي تتمنى لهذا البلد ان ينعم بالاستقرار ويخرج من أزماته الاقتصادية والمالية والاجتماعية بدعم منها، وهي على استعداد تام لذلك، من عودة الأفرقاء في اية لحظة إلى تسعير الخلافات فيما بينهم حول أي لبنان نريد، وإذا كانت الحقيقة تقول ان كل المؤشرات تدل على انهم كلهم متفقون على انهم لا يريدون لبنان المعافى ولا لبنان المستقر، بل يتآمرون فيما بينهم عليه وعلى شعبه.