لا شكّ أنّ العدو الصهيوني يتربّص بلبنان، ويسعى إلى تدمير قُدرة مواطنيه المُستمدّة من طائر الفينيق، والتي خوّلتهم حتى تاريخه، إثبات أنفسهم كأفرادٍ ناجحين ومطلوبين في سوق العمل، عربياً ودولياً.
كيف لا، وطرابين الحبق الذين يُديرون البلاد، يُثابرون ويجتهدون على خطّ واحد، وهو دفع المواطن اللبناني للجهاد الأكبر في سبيل تأمين خبزه كفاف يومه؟ أما الطموح بمُستقبل واعدٍ وتطور باتّجاه دولة مؤسسات تنمو فيها الطبقة الوسطى بالعِلم والتحصيل، فهذا لعمري ترفٌ يُناقض المُخطّط المرسوم لهذا البلد.
فمن اليوم ولاحقاً، لن يستطيع اللبناني تعليم أولاده في المدراس الخاصة وفي الجامعات الخاصة، ليُصدّرهم الى حيث يسترزقون.
ومعروف أنّ المدارس الرسمية لن تتّسع للكمّ الهائل من الطلّاب المُتسرّبين إليها بعد إفلاس أولياء أمورهم، وتحديداً في الصفوف الإبتدائية، ما يعني أنّ المواطنين سيقفون بالصفّ عند عتبات المسؤولين، لالتماس وساطات تحجز مقعداً لإطفالهم في صفوف الروضات. وقد تستدعي مثل هذه الوساطات تدخّلاً من وزير يتولّى حقيبة سيادية، وليس أقلّ.
أمّا الإنتساب الى الجامعات الخاصة، فذلك لعمري من التاريخ الغابر الذي لا عودة إليه.
هذا اذا بقيت جامعات خاصة، وبالمستويات التي تُصنّفها المراجع الأكاديمية الدولية في مرتبة محترمة وتشهد لكفاءتها. فالظاهر أنّ التعليم العالي المُرتقب المُتاح للشباب اللبنانيين سيكون من رحم المِحور، أي لا يحمل من الصفات الأكاديمية الّا الإسم، أما المضمون، فـ”حطّ في الخرج”. بالتالي، سنرى العجب العجاب في كيفية الإلتحاق بالجامعة الوطنية المنخورة بالفساد والمحاسيب.
أما عن ارسال فلذات العيون الى الخارج للتحصيل العلمي، فوداعاً والى أجلٍ غير منظور، لجامعات فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتّحدة وغيرها.
ولا يهمّ اذا كانت هوية المُخطّطين المتآمرين على لبنان وأبنائه، أميركية أو إيرانية.
المهمّ أنّ المخطط يسير الى حيث ينبغي له. ففي ظلّ الإنهيار الراهن، يمُكن الإستنتاج بأنّ اللبناني الموهوب، الذي كان يحتلّ مواقع بارزة في الشركات العالمية بكفاءته، ليس الّا، هو في طور الإنقراض بعد جيل أو جيلين.
صحيح أنّ تداعيات شدّ الحبال بين إيران والولايات المتحدة فرَّخت عندنا أزمات مُتلاحقة، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ الشغل كان متواصلاً للقضاء على ميزة لبنان، مصرفياً واستشفائياً وتعليمياً، قبل اندلاع الصراع، وقبل الإتّفاق النووي، وخلاله، وبعد تقويضه.
وربّما علينا أن نُغلِّب سوء النية في قراءة تقاطع المصالح بين مِحور إيران وتوابعه من جهة، وبين الجبهة التي تضمّ الإستكبار الأميركي والعدو الصهيوني الغاشم، من جهة ثانية. وتحديداً بعدما وجد هذا العدو من يُنفّذ له مآربه مجّاناً، ومن دون أن يبذل أي مجهود.
الا يحقّ له الإحتفال لأنّ شماله وجنوبه باتا وجهين لعملة واحدة؟
فالإنهيارات المُتلاحقة، إذا لم يتمّ تداركها، ستحوِّل لبنان الى كيانٍ شبيه بواقع الحال في قطاع غزة، حيث السلطة الرسمية مشلولة، والميليشيات المدعومة من المِحور الإيراني وتوابعه، هي من يتحكّم بالفقر والجهل واليأس.
حينها، لا فرحة ستُضاهي فرحة العدو الصهيوني الغاشِم بنا، وقد أصبحنا دولة “لبنان الغزّاوي” التي ستطمس “بلد الإشعاع والنور” في الذكرى المئوية لإعلان دولة “لبنان الكبير”.