IMLebanon

لن ينجح ولن ينتصر

 

لا يُمكن للذهنية السائدة لدى الطبقة الحاكمة أن تُخرج البلد من المعاناة التي هو فيها، إن استمرّت في جعلها مساراً للحكم، وإن لم تعط الناس فرصة التغيير أو أن ينتزعوا هذا التغيير بالقوة.

 

ففي لبنان، لا يُمكن أن يستقيم الحكم وأن تقوم الدولة، إذا أصرّ بعض الفرقاء على ربط ممارساتهم السياسية بالوصول إلى كرسي رئاسة الجمهورية، لأنّه يوم يصلون، هذا إذا وصلوا، لن يكون هناك من يمارسون الحكم عليه. بمعنى، انهم إذا كانوا يستمدّون شرعية من الشعبية المسيحية فسيكون المسيحيون قد هاجر المزيد منهم لأنّ لقمة عيشهم وكرامتهم هي أغلى وأثمن من أي منصب يعتليه طامح، كما أنها أغلى من اللادولة التي يعيشون فيها، ولن تقوم هذه الدولة إذا استمرت المحاباة من أجل هذا المنصب أو ذاك.

 

في لبنان لا يُمكن أن يستقيم الحكم، وأن تقوم الدولة، إذا لم يدرك بعض الفرقاء بعد أنّ سياسة تجاهل مؤسسات الدولة وقرارها وسيادتها كانت السلاح الأقوى في يد أعدائهم وأعداء لبنان من أجل التضييق عليهم وحصارهم ومعاقبتهم، وهذا ما انعكس على جميع اللبنانيين اقتصادياً ومالياً ومعيشياً، لا سيّما وأنّه ترافق مع استشراء ممارسات الفساد والهدر وبالتالي لا يُمكن الاستمرار بهذه السياسة وتجاهل مصالح جميع اللبنانيين ومصالح الدولة بالدرجة الأولى، باعتبارها العنوان العريض للتعامل مع لبنان، شرط أن تكون دولة بكلّ ما للكلمة من معنى.

 

إذا كان هؤلاء الفرقاء الذين يمثّلون السلطة القائمة اليوم، لم يدركوا الواقع الجديد للبنان بعد الإنفجار الكبير، فهم يدفعون بالبلد نحو المزيد من التخبّط والأزمات، ويدفعون الناس نحو المزيد من الفقر والهجرة والعزلة عن العالم الحرّ، ما سيجعل من لبنان دولة فاشلة ومعزولة، لا قُدرة لديها على إعادة بناء الحجر والبشر.

 

إنّ المأساة في بعض الأحيان تكون فعلاً فرصة لإعادة النهوض بالرغم من الأثمان الغالية، ولكنّ الأمر مرتبط بالدروس والاستنتاجات التي يصل اليها المسؤولون عن إدارة تداعيات المأساة، ومشكلة هؤلاء في لبنان أنّ بعضهم يرى في شخصه خلاصاً للبلد من كل المآسي، وبعضهم الآخر يرى في غياب الدولة تأكيداً لسلطته وأخذ البلد إلى حيث يريد. وفي الحالتين، لن ينجح الأوّل ولن ينتصر الثاني، حتّى ولو فعلوا ما يرغبون.