Site icon IMLebanon

لا أحد.. مع.. لبنان  كل لبنان.. ضد.. كل لبنان

 

الخفة والسطحية التي يتم من خلالها مقاربة الجراح اللبنانية العميقة ستؤدي الى مزيد من النزف الطويل والمؤلم، لانهم يبسطون القضايا المعقدة ويتعاملون بسطحية سخيفة مع عملية  إعادة صياغة التوازنات الوطنية الدقيقة والتي دفعنا مرارا الأثمان الغالية نتيجة استسهال العبث بحساسياتها وتوازناتها، وهذا ما نشاهده بوضوح هذه الأيام من المهارات البدائية المحلية والإقليمية والدولية، وطريقة تعاملها مع تعقيدات مجتمع النزاع العميق في لبنان والذي قد يطيح بكل المخططات والأحلام الموضوعة على طاولة تسويات النزاعات في المنطقة على قاعدة محاكمة الضحايا وتبرئة الجناة  متجاهلين سيول الدماء التي أهدرت ولا  تزال منذ عقود طوال.

 

الخفة والسطحية شديدة الوضوح لدى إدارة التحولات الوطنية الدقيقة من مجتمعات النزاع الى دولة الانتظام، واعتقادهم بأن الشعوب الطيبة وحوش فاسدة ومرتكبة وانهم خلقوا للموت والضياع، متجاهلين ارتكابات الذين عبثوا بأمن مجتمعاتنا وانسيابها على مدى عشرات السنوات وحولوا أطفالنا ونساءنا وشيوخنا وشبابنا الى فئران بيضاء تجرى عليها الاختبارات ومنهم من قضى نحبه ومنهم من أصيب ومنهم من تشرد نتيجة اختبارات الحرب والسلام على أرضنا وأجسادنا وحرياتنا ومستقبل أطفالنا.

 

الخفة والسطحية تتجلى بالبيع والشراء والمتاجرة بحياة الناس وسلبهم مدخراتهم وأسباب حياتهم ووجودهم واستتباعهم كمجموعات من المشردين الجياع يستعطون كل صباح أصحاب القلوب السوداء والعقول السوداء ليمنوا عليهم بحفنة من جنى العمر وتعب الأجيال مع وعودهم الكاذبة بالإصلاح ووضع القوانين التي ستحمي فسادهم وتزيد من ثرواتهم وتحول أصحاب الكرامات الشرفاء من أبناء لبنان إلى مجرد لقطاء أذلاء يعيشون في العراء على أبواب سفاحي السياسية والعبث بقواعد الانتظام العام.

 

الخفة والسطحية والسمسرات السياسية التي باتت تطبخ في وضح النهار وتتجاهل كل الناس بدون استثناء بكل وقاحة وإجرام، بعد أن دمرت مستقبل أجيال تعلمت وتفوقت وعملت وأنتجت وتوالدت وزرعت وحصدت واحترفت المهن وعملت وتحملت عذابات سنوات القهر والقتل والدمار، والاستئثار والتفرد والاستقواء على الآمنين في مكاتبهم وعياداتهم وجامعاتهم ومدارسهم وحقولهم وأعمالهم المهنية والتجارية والسياحية والتي يتم إقفالها وإفلاسها بكل عين وقحة وادعاء وتسلط وقلة إحساس.

 

الخفة والسطحية التي يخاطبنا فيها العالم تجعلنا نؤمن بان هذا الانهيار الوطني هو وليد ذلك الإهمال الدولي الذي لم يتحمل مسؤولياته التي ادعاها منذ خمسة وسبعين عاما، عندما أسس الأمم المتحدة ومجلس الأمن ولم يطبق أي من تلك القرارات الدولية، وترك الشعوب الآمنة عرضة للعدوان والاحتلال واللجوء والدمار من دون أن يحرك ساكناً واكتفوا بإصدار القرارات تلو القرارات والتي كانت مجرد حبر على ورق الاستكبار والعبث بمصير شعوب بلاد الشام الآمنة في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق.

 

الخفة والسطحية التي أصبحت تتكون على أساسها السلطة عبر مناقصات المقاولات السياسية، وتكريس قواعد الخنوع والاستتباع والتموضع خلف نزاعات ومصالح الدول والأحلاف والتسويات، وإثارة النعرات المذهبية والطائفية والعرقية مع تعاظم مظاهر التطرّف والتمزق والتقوقع والانكماش والكراهية والعدائية وتقبل موجات الاحتقار والإهانات من الأشقاء والأصدقاء، وتشجيع اللبنانيين على اعتناق (ثقافة الضد) والانتصارات والهزائم في كافة مجالات الحياة الوطنية الإعلامية والثقافية والإبداعية والتربوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وانعدام (ثقافة المع) والتي تتجسد بالتكامل والتنافس والنجاح والازدهار حتى صار كل لبنان.. ضد.. كل لبنان.. ولا أحد.. مع.. لبنان.