IMLebanon

إقعد أعوج واحكِ جالس

 

يروي سلام الراسي في كتابه “إقعد أعوج واحكي جالس” عن واعظ بروتستانتي عاش في قريته “إبل السقي” اسمه المعلم مخايل “ودقّر عقله عند عذاب الآخرة وأهوال الجحيم، فاذا اعتلى منبر الكنيسة حار ودار ورجع مرجوعه الى الكلام عن مخاوف جهنم التي لا تنطفئ نارها ولا يخمد أوارها، وهناك البكاء وصريف الأسنان…”.

 

فوقف، بالتالي، رجل اسمه عبدالله دموس وقال له: “إذا كان عندك حكي عن السما، هات يما بخاطرك فالشوق الى السماء شيء، والخوف من جهنم شيءٌ آخر”.

 

لم يعش معلّم مخايل في الحقبة الجهنمية التي نعيشها اليوم، وإلّا لكان جهنمه أشد هولاً وأكثر اشتعالاً، ولا عبدالله دموس رأى بعينيه تجليات جهنم في قرانا الوادعة وإلا لكان شوقه إلى السماء مضاعفاً.

 

إقعد أعوج واحكِ جالس. إقعد واسمع أخبار المواطنين، ممن يشحذون على أثير الإذاعات ما يبعد الجوع عن عائلاتهم، وممن يقبلون براتب شهري قدره 600 ألف ليرة، وممن يتّكلون على كراتين الإعاشة. فبات اللبناني أخ البوروندي ويعيش كما يعيش مواطنو الكونغو الديموقراطية والمالاوي وسوريا الأسد، ويأتيك شاعر أزبُّ (مخصب) ليمتدح سيد العهد على نِعمة وجوده بيننا.

 

إقعد أعوج واحكِ جالس.

 

صحيح أن الفقر نخر الطبقة المتوسطة كما ينخر نقّار الخشب جذوع الأشجار، وأن أسواق البالة عادت أونلاين، هذه المرة، وصحيح أن الدخان الطالع من كوتليت الضأن على منقل متوهج الجمر بات مثل حلم ليلة صيف، وصحيح أننا عدنا بغالبيتنا نباتيين غصباً عن رقبتنا لكننا في نفس الوقت نوزع كرامة وطنية بكميات تجارية وعنفواناً بما يفوق حاجة السوق المحلي.

 

إقعد أعوج واحكِ جالس.

 

قد تخيف تماسيح الصين وكوبا واستراليا والفيليبين والبيرو وحوض الأمازون أهل البلاد والسيّاح. لكن في لبنان، والحقّ يُقال، لا أحد يخشى التماسيح، وقد نزلت تظاهرات شعبية ضدها وطالبت بإسقاطها. لكن التمساح اللبناني تمساح لا شيء يؤثر فيه: لا أصوات. لا حشود. لا انفجار لا زلزال لا دمار لا تعتير ولا “شحار”.

 

إقعد أعوج واحكِ جالس.

 

لكل بلد ميزات تفاضلية على بلد آخر. تستطيع فنلندا أن تتباهى بحقوق الإنسان واللوكسبمورغ بمستوى الدخل الفردي وإنكلترا بالديموقراطية والولايات المتحدة بجامعاتها ومراكز أبحاثها، ولكل بلد ( حضاري) أن يتباهى بشفافية مسؤوليه ونزاهتهم وتحسسهم لمشاكل مواطنيهم وتواضعهم، وما يميز المسؤولين في الأعوام الأخيرة: “العين البلقة”.