IMLebanon

أين “إدارة الرياح” من الدوران فيها؟

 

المبادرات الوطنية الإنقاذية، مهما تكن واقعية وضرورية وملحة، تصطدم دائماً بجدار صلب. وأصحابها يعرفون المعادلة التراجيدية التي كان لبنان ولا يزال أسيرها: لا الانتفاضات الشعبية وأنشطة النخبة وأفكار الحكماء تستطيع إسقاط السلطة وإعادة تكوينها لتنفيذ برنامج إنقاذي، ولا أهل السلطة المطمئنون الى العجز عن تغييرهم يريدون أي تغيير ضد مصالحهم، وهم يرون أن انهيار البلد سياسياً ومالياً واقتصادياً لم يهز رِجْل كرسي على مسرح السلطة. حتى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي وافق أمراء الطوائف أمامه على تأليف ما سماه “حكومة مهمة “، فوجئ بأن ما يتحكم بالتأليف ليس مهمة الحكومة الانقاذية بل المهام المرتبطة بحسابات المصالح الضيقة وما يخدم سياسات قوى اقليمية ودولية متصارعة.

 

ذلك ان الحاكمين والمتحكمين بالبلد من دون تحمل المسؤولية عن معالجة قضايا الناس، يرون بالهواجس في اية حركة “مؤامرة” ضدهم. والرياضة الوطنية لدى غالبية التركيبة السياسية هي انتظار المتغيرات في المنطقة. لكن حديث المتغيرات كلام في العموميات. فالذين يراهنون عليها لا يعرفون ما يمكن أن يحدث، وسط سيناريوات مختلفة: حرب مقتصرة على لبنان او تشعل المنطقة كلها. صفقة اقليمية – دولية ضيقة او واسعة. تغيير خرائط في اكبر لعبة جيوسياسية، أو تغيير سلوك أنظمة. تقليم أظافر قوى اقليمية أو تحجيم قوى توسّع نفوذها.

 

لا بل ان المنتظرين لا يعرفون، الا بالتخيل، ماذا تفعل بهم ولهم المتغيرات لجهة الفائدة او الضرر، وماذا يفعلون هم. وهذا ينطبق على الذين لهم أدوار ويتصورون ان المستقبل لهم، كما على الضحايا والذين يرون مع وزير الخارجية الفرنسية سابقاً ايرفيه دو شاريت “أن لبنان فريسة في الشرق الأوسط “.

 

وليس أخطر من غطرسة القوة سوى غطرسة الضعف في بلد دفعه الأقوياء والضعفاء الى هاوية أزمات عميقة، ونصبوا الحواجز للحؤول دون إخراجه منها بمساعدة الأصدقاء والأشقاء. والأخطر هو تجميد أية حركة لمعرفة إتجاه الرياح في المنطقة والعالم. والمفارقة أن من تدور بهم الرياح او يدورون فيها يتصرفون كأنهم قادرون على ممارسة الفن السياسي المسمى “ادارة الرياح”. فن يمارسه الكبار القادرون على الربح، كما على تحمل الخسارة حين يخطئون، بحيث يعوضون عنها في مكان آخر. اما الصغار، فانهم يدفعون رؤوسهم حين يخطئون في مغامرة أكبر منهم. والرياح لا تجيد قراءة المكتوب على السياج، حسب المثل.

 

في ” نادي فالداي ” الروسي للحوار، إقترح وزير الخارجية سيرغي لافروف مقاطعة الغرب لمدة رداً على مقاومته لأي “تحول عميق” فقيل له: “لن يكون لدى روسيا المرتبطة بتصدير الطاقة ما تأكله”. أليس أكثر من هذا ما ينتظر لبنان المطلوب منه محاربة أميركا والغرب والتوجه نحو ايران وروسيا ؟