IMLebanon

المئوية»: درس في التاريخ ….لبنان من دولة وضّاءه الى دولة مظلمة  

 

قبل مائة عام وبعدما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، انفجرت ألمانيا المهزومة من الداخل. لم يستوعب الألمان الهزيمة ولم يقبلوا بها. أُعلنت الهزيمة، ولكن لم يُعلن الاعتراف بها.

 

اعتبر الألمان ان ما حلّ بهم كان نتيجة مؤامرة خارجية شاركت فيها عناصر داخلية. أدى هذا الاعتبار ممزوجاً بمشاعر الدونية والغضب جراء الهزيمة في الحرب الى ردات فعل قومية. استثمر هذه المشاعر أدولف هتلر. فكانت النازية.. ثم كانت الحرب العالمية الثانية التي ألحقت بالألمان كارثة لم يعرفها قبلهم أي شعب آخر من شعوب العالم.

 

مرّ لبنان الذي وُلد قبل مائة عام ايضاً في نفق التجربة ذاتها، ولكن الحرب لم تكن عالمية، كانت حروباً داخلية. اعتبر اللبنانيون ان ما حلّ بهم كان نتيجة مؤامرة خارجية، مرة مع السلطة السورية ومرة أخرى مع السلطة الفلسطينية، ودائماً مع اسرائيل. وفي كل مرة كانت تشارك في الحرب عناصر داخلية ضد عناصر داخلية أخرى. ترافق ذلك مع تغيير في التوازن الديموغرافي نتيجة الهجرة من جهة وتراجع نسبة الإنجاب من جهة ثانية.

 

أدى ذلك الى انتشار مشاعر الدونية ممزوجة هنا ايضاً بالألم والغضب. استثمر هذه المشاعر الجنرال ميشال عون، فكان شعار “الشعب العظيم”، وكانت كتلة الإصلاح والتغيير. ثم كانت السلطة التي أوصلت اللبنانيين الى كارثة لم يعرفوا مثيلاً لها من قبل.

 

فقد تحوّل لبنان من دولة قدوة وضاءة الى دولة فاشلة ومظلمة. لم يخسر اللبنانيون مدخراتهم المالية في المصارف فقط، ولكنهم خسروا رصيدهم المعنوي لدى شعوب العالم القريب منها والبعيد. إذ تحولوا من شعب معطاء الى شعب مستعطي يستجدي رغيف الخبز وعلبة الدواء. وهم لم يخسروا دورهم العلمي والثقافي التنويري فقط، ولكنهم خسروا أيضاً الرسالة التي كانوا مؤتَمنين على ادائها.

 

أملاً في استعادة سمعة ألمانيا ومجدها القومي، جرّ هتلر الألمان الناقمين من هزيمة لا يستحقونها الى حرب جديدة لم تبقِ ولم تذر، رافعاً شعار الانتقام من “الخونة واليساريين واليهود”.

 

كذلك نجح الجنرال عون في استثمار القلق والغضب والطموح الشعبي في شنّ حربيْ التحرير والإلغاء. ولكن لم يتحقق التحرير على يديه، ولم يصل الى السلطة إلا على أكتاف من أراد إلغاءه وبالتواطؤ مع من أراد التحرّر منه.

 

حتى مؤتمر الطائف الذي قاتل الجنرال من أجل منع انعقاده؛ ثم قاتل من أجل منع إقراره، استخدمه رافعة للوصول الى الرئاسة الأولى. حتى اذا استتب له الأمر، انقلب عليه من جديد انتهاكاً وتجاوزاً، وتعاملَ معه وكأنه قرار مجلس بلدي وليس دستوراً.

 

اعتقد شعب ألمانيا العظيم ان هتلر سوف يقوده الى نصر يستعيد به كرامته وسيادته. فكانت النتيجة انه جرّهم الى حرب أشد دماراً وأوسع خراباً وأشد امتهاناً.

 

واعتقد شعب لبنان العظيم ان الجنرال سوف يقودهم الى النصر على أعدائه الذين انتهكوا كل مقدساته، فإذا به يحولّهم الى رهائن “تحت الطلب” في صراعات خارجية جعلت من حيادهم المنفتح انحيازاً أعمى، ومن رسالتهم الرسولية هراء وكلاماً فارغاً.

 

رفع هتلر شعاراً مثلثاً لإطلاق حركته بالاستيلاء على السلطة. كان أطراف المثلث: الخونة واليساريون واليهود. وحمّلهم مسؤولية الطعن بالظهر. وبذلك تمكّن من الوصول الى السلطة (المستشارية) في 30 كانون الثاني من عام 1933.

 

يومها كتبت صحيفة الحزب النازي “فوليكشر” مقالاً قالت فيه: ” ان مشاعر الفخر تغمر الملايين من الذين قاتلوا طويلاً من أجل إسقاط عار التاسع من نوفمبر – تشرين الثاني 1918″. وهو تاريخ الهزيمة.

 

وعندما عاد الجنرال من منفاه الفرنسي، أعلن هو نفسه من مطار رفيق الحريري في بيروت ان مشاعر الفخر تغمر الذين وقفوا معه ضد النفي، وخلال النفي.. ومن أجل العودة من النفي

 

..ولكن أحداً لم يكن يعرف مضمون الصفقة التي كانت بمثابة بطاقة العودة، ومن ثم بطاقة الدخول الى القصر الرئاسي.

 

من الظلم اتهام هتلر بأنه أراد عن سابق تصور وتصميم دمار ألمانيا. فليس هو من دمّر برلين ودرسدن وسواها من المدن الألمانية الكبرى فوق رؤوس أهلها. ولكن من الذي استدرج الأميركان والانكليز للقيام بهذا العمل؟

 

كذلك من الظلم اتهام الجنرال عون بأنه أراد تدمير لبنان. فليس هو من عطّل الوفاق ودمّر الاقتصاد. وليس هو من استدرج اسرائيل لارتكاب جرائم التدمير والغزو والقتل الجماعي، وليس هو من دمر المرفا ومعه زهرة المدن بيروت، ولكن من هو المسؤول اللامسؤول عن كل هذه الكوارث والفواجع؟..

 

اليوم يقطف اللبنانيون ثمار أحلام جميلة تحولت الى كوابيس مرعبة في دولة انتقلت هي ذاتها من دولة “رسالة” الى دولة فاشلة. ومن دولة “يأتيها رزقها رغداً من كل مكان”، الى دولة “تلبس لباس الجوع والخوف”، كما ورد في القرآن الكريم حول مثل القرية التي كانت آمنة مطمئنة.. ثم كفرت بأنعم الله (من شدة الفساد والإفساد).

 

لقد تعهد للبنانيين بأن يسلم لبنان بحالة “افضل مما تسلّمه”.. فإذا به يضعه على الطريق الى “جهنم”، حسب قوله هو نفسه.

 

الفارق الأساسي بينهما هو ان هتلر لم يضع الشعب الألماني على الطريق الى جهنم فقط، ولكنه جعل منه وقود جهنم. لذلك فان الجنرال الرئيس قد يكون -حتى كتابة هذه السطور- أقل استهتاراً وتضحية بالشعب اللبناني.. إلا إذا كان الآتي أعظم !!..