IMLebanon

هل يستعيد لبنان سماته وصفاته وتألقه؟

 

 

هل حقيقة أن تأليف الحكومة في إطار التناتش القائم حاليا بصددها، وظاهر الأوضاع يمثلها خلاف متجذر ومتنمّر بين كلِّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف؟

ولماذا يستمر هذا الخلاف طوال أشهر عديدة كان ظاهرها المبتديء خلافا قابلا للحلحلة وتجاوز أوضاع الإنهيارات الجهنمية التي تنحدر البلاد إلى مقرها الجهنمي، بأركانها ومؤسساتها وحاضرها ومستقبلها وكل ما تبقى لها من أعمدة إرتكازية تمكّنها من الإستمرار، ولا تتيح لمواطنيها إلاّ حدا أدنى من إمكانيات البقاء على قيد الحياة، وتجنّب تحولات متوقعة لجملة من الإنهيارات، الأمنية، لعلّ أولئك الذين لم يفهموا حتى الآن أعماق وحقائق المشكلة الكيانية القائمة، أن يسمعوا ويعوا قبل فوات الأوان.

إنّ أقسى ما في المأساة القائمة يتمثل في محاولات اختزال أسبابها وتطوراتها وأخطارها الهائلة، الحاضرة والمقبلة، بأنها رغم فداحة مقوماتها. فإنها قابلة للإختزال والتحجيم والحصر في مسبب هو الأساسي، وهو الذي يستقتل في تضخيم العوائق وتلغيم السبل المؤدية إلى الحل الذي حرّك الداخل والخارج، وبالتحديد، أوجد المبادرة الفرنسية ووضعها في إطار عملاني مدروس، أعقب مأساة الرابع من آب التي أودت وأدّت إلى تدمير أجزاء واسعة من العاصمة، وشطبت من الوجود، مرفأ بيروت بكل واقعه وتاريخه وأعماقه الحضارية والإقتصادية الرائدة في تاريخ لبنان، والأمر الذي أودى بحياة جموع من اللبنانيين وشرّد آلافاً مؤلفة من أهل وسكان هذه المدينة المنكوبة، مما حرّك الضمير الأوروبي متمثلا خاصة بفرنسا وتحركات الرئيس ماكرون وسعيه الدؤوب إلى إيجاد الحلول المناسبة التي تنتشل لبنان من عثراته وسقوطه المريع، وقد أفلح في بدايات زياراته إلى بيروت في قولبة حلّ عملاني عقلاني حاز على رضى وموافقة زعمائنا الأفذاذ، ليتبين أن هؤلاء ما زالوا في أجواء مصالحهم، وارتباطاتهم، وأنهم عادوا سريعا إلى لغة المصالح والمحاصصات، فكان أن تلقّوا صفعات توبيخية قاسية من الرئيس الفرنسي، فقبلوها بكل طواعية وتجاوز، إلاّ أن حليمة عادت إلى عوائدها القديمة، وعاد لبنان يمتثل إلى ما عبّر عنه رئيس البلاد بأنه في طريقه إلى الغرق في بحار جهنم.

هذه «المهمة» المشغولة فرنسياً والمتبنّاة أميركياً وأوروبياً قد نالت ترحيبا عالميا وتفهما عربيا وتأييدا داخليا شاملا، ويكفي أن نشير في الداخل اللبناني إلى موقف البطريرك الماروني والقيادات الدينية المسيحية والقيادات الأساسية للشعب اللبناني بكل فئاته وجهاته، بما فيه تأييد الثنائي الشيعي وبالتحديد حركة أمل وإلى جانبها حزب الله، الذي رغم بعض تحفظاته، فهو قد احتفظ لنفسه بموقع المراعاة والحرص على بقايا التفاهمات التي سعى إليها الرئيس عون وتبلورت في لقاء كنيسة مار مخايل، وفي واقع الأمر فإن «المهمة» الفرنسية لقيت إضافة إلى تأييد دولي كاسح، ومحلي سعى إلى مزيد من لبننتها ووضعها في إطار عملاني قابل للتنفيذ، فقد لقيت أيضا وأيضا، تأييدا شعبيا تجاوز المحدوديات والسلبيات المحلية، وإذا كانت حكومة الرئيس الحريري قيد التأليف لم تؤلف بعد لما تلقاه من عوائق مختلفة ومصطنعة، فإن الأنظار والأحكام العامة والشاملة ألقت بالمسؤولية الحادة في هذا الإطار وعلى العهد عموما والتيار الوطني خصوصا، وأجواء ومطامح ومخططات رئيس التيار جبران باسيل، الذي يصبو إلى التبني العائلي، من خلال وراثة لم يهدأ الشغل لها ولتحقيقها بعد عمر طويل للحكم القائم لتكون استمرارا مفروضا من خلال الأجواء المكفهرة التي حملت العماد عون إلى رئاسة البلاد بعد جملة من الأحداث والممارسات والتحولات الجذرية، وبعد تجميد الوضع الرئاسي وأوضاع البلاد كلها ما يناهز العامين ونصف، فكانت رئاسة البلاد من نصيب «الرئيس القوي» والعهد القوي مع جهد ونشاط مستمر لتأمين الخلافة «القوية» المنشودة. ولعل أبرز سلاح معتمد في هذا الإطار الفارض، المطالبة «القوية» بالثلث المعطل للتشكيلة الوزارية، وهو بالرغم من التشبث به وصياغته بأكثر من موقف وأكثر من صياغة، فقد لقي محاولات مرفوضة، في الداخل والخارج، ومع ذلك ما زال التشبث بالرغبة المدعومة، مستمرا وقائما، رغم الإنكفاءات الملحوظة التي تنم عن تراجع ملحوظ في الشعبيات والحسابات الزعاماتية القائمة.

وماذا بعد؟

هل تبقى الحال على ما هي عليه من عرقلة وجمود، هل تبقى الحكومة الجديدة تحاور وتناور في إطارات الأهداف الشخصية، وفي أجواء مشغولة من التيار لتحويلها إلى مشكلة طائفية ومذهبية؟

ظاهر الأمر، هو على النحو الذي ذكرنا وفصّلنا حقيقة الأمر، وكما يصل إلى علم بعض المطلعين، أن مثل هذه الحالة، لا يمكن أن تدوم، وأن اجماعا خارجيا ومحليا بات يهيء الظروف إلى حال يعيد إلى البلاد بعض استقرارها من خلال حكومة جدية، وحقيقية، الأمر أن الأوضاع في مجالها القائم، تغلي موحية بتوقعات قاتمة لأحداث جسام، قد تكون بديلا عن أي حل متأخر، وإن غدا لناظره قريب.