لا أقوياء في دولة ضعيفة. ولا حقوق تضمنها العصبيات أو يفرضها السلاح. والوقت حان لأن يدرك أهل الاستقواء على اللبنانيين المستضعفين خطورة الإبقاء على لبنان رهينة رهانين: رهان الذين يتصورون أن أسر لبنان هو الوسيلة المتاحة لهم لإجبار اللاعبين على التسليم بتحقيق حساباتهم الفئوية والشخصية الضيقة. ورهان الذين يمارسون بعقل بارد سياسة البلد الأسير كخطوة مرحلية تخدم حساباتهم الإستراتيجية الداخلية والخارجية في الصراع الجيوسياسي الدائر في المنطقة وعليها. فالأسير ينزف. ولا معنى في مثل هذه الحال لتأليف حكومة محكومة بالمحاصصة، سواء سميت حكومة إختصاصيين يبقى القرار خارجها، أو جاءت حكومة تمثل أمراء الطوائف على المكشوف تضيف حملاً ثقيلاً على ظهر لبنان وتكرس عزلته العربية والدولية.
ذلك أن اللعبة الداخلية صارت مجرد تمارين في الإسفاف. والألعاب الخارجية ليست سريعة. وإذا كان انتظار التطورات الإقليمية والدولية رياضة وطنية في لبنان، فإن الإنتظار السلبي هو أسوأ أنواع الإنتظار. وإذا كان كل بلد يتأثر بالتطورات الخارجية أو يؤثر فيها، ويحصّن نفسه استعداداً لها، فان لبنان هو الوحيد الذي يجمّد حياته السياسية وينتظر في الفراغ الرئاسي أو الحكومي، بدل أن يواجه التطورات من موقع غير هزيل. اما من يتصرف على أساس أنه مؤثر في التطورات وستكون لمصلحته، فانه يقرأ في كتاب الغيب والأمنيات.
“تكرار الكوارث معلّم”، يقول المثل الأميركي. لكن الدرس الذي نفضل أن نتعلمه من تكرار الكوارث وتراكمها اليوم وبالأمس القريب والماضي البعيد هو انتظار أن ينقذنا الآخرون. والتقليد الذي نلجأ إليه في كل أزمة هو القول: لا يمكن أن يتركنا العالم نغرق، ولو كنا أنانيين تقودنا الأخطاء الى الغرق. وعلينا أن نطرح على أنفسنا أسئلة لا بد منها: هل انتهى دور لبنان القديم وخسر أهميته في عيون العرب والعالم وسط المتغيرات، ولم نعرف كيف نقوم بدور جديد؟ ماذا لو زال لبنان الذي قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أنه “مهدد بالزوال؟”. كيف ستكون صورة المنطقة؟ من يرث هذه المساحة الجغرافية؟ وما قيمة لبنان اذا صار ملحقاً بأنظمة سلطوية ومشاريع شمولية، بعدما كان مغامرة في الشرق للحرية والعيش المشترك بالمعنى السياسي والحضاري والثقافي، لا البيولوجي، وصح فيه قول البابا يوحنا بولس الثاني: “أكثر من وطن، إنه رسالة؟”.
يقول الرئيس الأميركي تيدي روزفلت: “إن الدولة المقتدرة هي التي تحوّل الطوارئ ضرورات”. وما نفعله نحن هو العكس: الإختلاف يصبح خلافاً والخلاف يصبح أزمة والأزمة تصبح مأزقاً، والمأزق يصبح صراعاً على حافة حرب أهلية والحرب تقود الى تدخل خارجي، والتدخل الخارجي يقود الى تسوية بموازين القوة تتحول أزمة جديدة.