أعجبتني طرفة وردت في إتصال هاتفي مع أحد الأصدقاء المنتشرين خارج لبنان، إذ قال «خطَر لي حلّ لأزماتنا كلّها: لماذا لا نستأجر إدارة خارجية تتولى شؤوننا؟»
تمعّنت في هذه الطرفة فتبيّن لي، من أسف، أنها توصّف حالنا أحسن توصيف: في زمن «العسملّي» كان يُدير شؤوننا متصرّفٌ وبالتوازي أخذ قناصل الدول الستّ يفرضون حمايات كرّست عندنا الطائفية والمذهبية. فكان للقناصل الستة دور الأوصياء والحماة المتدخّلين في كلّ شاردة وواردة. ولكلّ من دولهم دور في الوضع اللبناني يختلف بين عاصمة وأخرى بالنسبة إلى نفوذها ومكانتها. فدور فرنسا كان متقدّماً على دور بريطانيا، ودور هذه متقدّماً على دور روسيا التي كان قنصلها يتقدّم على قنصل النمسا، وقنصل إيطاليا متقدّماً على قنصل بروسيا…
وكان لأولئك القناصل قدرة الوساطة لدى المتصرّف الذي كان مُعتَبراً مرجعية أهل السنّة، بينما الفرنسي حامي الموارنة، وأما الروسي فحامي الروم الأورثوذكس، والبريطاني وجد لنفسه دور الحامي للدروز…
وفي زمن الإنتداب الفرنسي، كان الصراع على النفوذ عندنا بين السفيرين الفرنسي والإنكليزي، ثمّ اتّصل بزمن الإستقلال. ودخل على الخطّ السفير المصري عبدالحميد غالب في الستينات وتحوّل بشكل أو بآخر إلى «المندوب السامي»، وهذا كان لقب ممثّل الإنتداب الفرنسي قبل الإستقلال.
وأما الدور الذي لعبه ياسر عرفات والمنظمات الفلسطينية فحدّث ولا حرج. وأبو عمّار هو الذي «تشاوَف» بأنه حكم لبنان ثماني سنوات. ولكنه الحكم الذي تفلّتت فيه الأمور ونشأت الميليشيات وترعرعت. ولاحقاً كان الحاكم بأمره إسمه غازي كنعان حيناً ورستم غزالة حيناً آخر. وهو الحكم الذي فرض الهيمنة على كلّ شيء من إنتخاب الرئيس إلى إنتخاب المختار (…) وأدى إلى سقوط لبنان في الموبقات كلّها.
إلى ذلك فإنّ أحداث سنة 1958 لم تنتهِ إلا بتدخّل العسكري الأميركي عندما نزل آلاف «المارينز» على شواطئ العاصمة. والحرب التي بدأت عام 1975 وتناسلت حروباً لم تتوقّف إلا بإتفاق الطائف الذي عُقد في المملكة العربية السعودية. والهجوم بالطيران السوري على القصر الجمهوري ووزارة الدفاع – مقرّ قيادة الجيش تمّ فيما كان طيران العدو الإسرائيلي يحلّق فوق المقاتلات السورية المُغيرة ربما للتأكّد من مسارها الصحيح…
والأزمة الكبيرة التي تخلّلتها عمليّة حزب الله في بيروت وما أعقبها من تعقيدات ضخمة وجدت حلّها في إتفاق الدوحة في قطر الذي توصّلت إليه الأطراف اللبنانية هناك في 21 أيار 2008، والذي أنهى 18 شهراً من تلك الأزمة وما رافقها من أحداث دامية وإعتصام حزب الله وحلفائه في ساحة رياض الصلح ومحاصرة السراي الكبير وإقفال مجلس النواب نحو سنتين