IMLebanon

لبنان …الآن لا أبناء . لا أشقاء . لا أصدقاء

 

مجتمعات بلاد الشام المأزومة تعيش حالة من الالتباس والغموض الشديدين نتيجة عدم وجود نخبة وطنية قادرة على التمييز بين التحول والتغيير، بسبب شيوع ثقافة ادارة الازمات ودروسها المتراكمة عبر التاريخ الطويل من اعتبار السلطة احدى مغانم النزاع، مما جعل الاستقرار في السلطة يقوم على اراقة دماء الابرياء والتغول على مقدرات البلاد في الهدر والنهب واباحة المحرمات، وليس صدفة ان يكون تعريف الثورات في بلاد الشام قائم على تبديل اسماء النواب والوزراء وليس تغيير في النهج والاداء، ولذلك شهدنا ونشهد انتصار اهل السلطة المحترفين على اهل الثورة الهواة.

ad

 

مجتمعات النزاع في بلاد الشام تعاني من عدم وجود نخبة قادرة على فهم ومواكبة التحولات الكبرى في العالم والجوار والتي انتجت تغييراً في التوجهات والأولويات وبلورة قواعد علاقات جديدة ومغايرة لما كان سائداً بين مجتمعات بلاد الشام والاشقاء والاصدقاء والجيران، وان التحولات التي تحدث في المنطقة والعالم ليست مجرد عملية تغيير حاكم بآخر انما هي تحولات استراتيجية في المنطلقات والاهداف واننا امام مجتمعات في بلاد الشام مغايرة لما عرفناه على مدى عقود طوال من تداخلات وشعارات وادعاءات واوهام وخصوصيات ومساعدات .

 

مجتمعات بلاد الشام تعيش حالة من التيه الموحش وانعدام الافق نتيجة تنكر دول العالم والجوار لارتكاباتهم بحق مجتمعات بلاد الشام على مدى مئة عام وذلك عبر تحويلهم الى فئران بيضاء لاختباراتهم الرعناء الاستعمارية والكيانية الاستيطانية والطائفية والعرقية والمذهبية، واعتبار بلاد الشام ساحات نزاع بديلة وحقول رماية للمحترفين والهواة واغراق تلك الشعوب بالشعارات والانتصارات الوهمية والتحريض على تفكيك وحدة المجتمعات عبر تعميم ادعاءات الاكثريات والاقليات والاختباء خلف الايدولوجيات الدينية والقومية المعسكرة والتي تحكمت بمصير اجيال واجيال ودمرت كل اسباب الدولة الوطنية بالقمع والاعتقال والاغتيال والتهجير ومجازر الابادة الجماعية.

 

مجتمعات بلاد الشام يجتاحها الجوع والتشرد والانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي حيث اصبحت الاكثريات تسكن خيام النزوح واللجوء والاقليات اسرى في المعتقلات الطائفية والمذهبية، في حين تنتشر الجيوش الاجنبية والاقليمية على امتداد تلك البلاد في مدنها وقراها وجبالها وسهولها حيث تمارس التدريب على الغارات والقصف والتدمير والتهجير، وتتعرض تلك الشعوب البائسة والمشردة الى نزعة سادية استعمارية جديدة عبر بدعة العقوبات والتأنيب والتوبيخ وتجريدهم من ابسط حقوقهم الانسانية.

 

شعوب بلاد الشام خسرت على مدى عقود طويلة ملايين الضحايا في النزاعات الاهلية والحروب العربية القومية والاسلامية والاسرائيلية، وتشريد عشرات الملايين من فلسطين والعراق وسوريا ولبنان، وهجرة الملايين من الكفاءات والطاقات الى دنيا الاغتراب وبلاد الانتشار، وتمرّس الملايين من ابناء بلاد الشام ايضا بقتل بعضهم البعض والتمتع بأوهام سلطة القهر والخراب وادارة الازمات ونهب المال العالم وتبديد مقدرات البلاد بقلوبهم السوداء وعقولهم السوداء وسرقة القرش الابيض الذي ادخره الفقراء من اجل هذه الايام السوداء وسرقوا الضوء والامل والرجاء من عيون الاطفال.

 

الايام القادمة على لبنان ستحمل الكثير من الاوجاع والمآسي والانهيارات والانتهاكات نتيجة عدم وجود نخبة من ابناء لبنان قادرة على الحب والتضحية والعطاء ونكران الذات وتقديم مصلحة لبنان على الولاءات والاستتباعات والعمل على بناء مستقبل آمن ومستقر لأجيال لبنان، نخبة تشعر بالحد الادنى من الخجل والحياء وقادرة على التمييز بين الوقائع والرغبات وتعرف كيف تواكب التحولات الكبرى في المنطقة والعالم وقادرة على تعميم الوعي والادراك بواقع لبنان … الآن … حيث لا ابناء .لا اشقاء .لا اصدقاء.