IMLebanon

متروكٌ لقدرِه

 

 

يوماً بعد يوم تتقلّص رقعة الدولة في لبنان…

 

يوماً بعد يوم يزداد عدد من يقولون:  «الأمر لي»، إلّا صاحب الأمر  نفسه!

 

يوماً بعد يوم يفقد اللبنانيون عنصراً جديداً من مقوّمات الدولة.

 

إنها حال من الهريان غير مسبوقة حتى في الظروف الاستثنائية، بما فيها أيام الحرب الملعونة التي ضربت هذا البلد في مسار طبيعي تلقائي لما بعد اتفاق القاهرة الذي وضع الحجر الأساس لإسقاط لبنان.

 

إنّ في هذا البلد قدرات هائلة، وإمكانات كثيرة للتغلّب على الأزمات، مصدرها الأول الإنسان اللبناني. ولكننا وصلنا اليوم إلى مرحلة ترويض هذا الإنسان، وحتى إلى مرحلة «تدجينه» فيقبَل بما لم يعتد عليه من شظف العيش، ويوافِق على ما يرفض، ويتعايش مع ما ليس في نشأته وأسلوب حياته ونمط عيشه.

 

اللبناني، في هذه الحقبة العَجفاء من تاريخه، باتت طموحاته مقزمة من دواء يموت قبل أن يحصل عليه أياً كان سعره، وبضعة ليترات بنزين ليست في متناوله بالرغم من ارتفاع سعرها، ومرتّب لم يعد حده الأدنى يوازي سلّة مشتريات الحد الأدنى من ضرورات المواد الغذائية والاستهلاكية.

 

وأما الكلام على الرفاء والازدهار  والبحبوحة إلخ… فلم يعد وارداً في قاموس هذا الشعب الصابر الصامد المغلوب على أمره الذي تتناوب عليه المحن والكوارث والنكبات… من دون أي ضوابط أو شفقة ورحمة.

 

قبل بضع سنوات كنتُ، وأحد الأصدقاء الأوروبيين، نجتاز طريقاً رئيساً، على الساحل اللبناني، فلاحظَ أنّ السيارة ترتفع بنا حينا لتعود فتهبط حيناً آخر، وهكذا دواليك عشرات المرات، واستفسرني عن تلك «الفخاخ» كما أسماها، متسائلاً لماذا هي متواجدة في منتصف الطريق وليس إلى أحد جانبَيْه.

 

تقنياً لا أعرف لماذا هي حيث هي. أما أسبابها فتعود إلى كونها أغطية لمداخل الأقنية التي تمرّ فيها أنابيب المياه وخطوط الهاتف إلخ…

 

فقال: أتعرف لو كانت مثل هذه الأخطاء في التنفيذ تحدث في بلدي (وهو أوروبي) لكان حُكِم على الجهة المنفِّذة بغرامات خرافية، ولكان في استطاعة أي متضرر من هذا التنفيذ أن يطالب بـ»عطل وضرر» ضخم؟ من يومها، والمسألة تعود إلى عشر سنوات، قال لي: أنتم ليس عندكم دولة ومستقبلكم مُظلِم!

 

يا صديقي، ماذا ستقول لو عاينتَ حالنا اليوم، ونحن فعلاً من دون دولة؟!.

 

وبعد، هل من أي بصيص أمل في مستقبل واعد؟

 

لا نريد أن نختم هذه العجالة بالمزيد من التشاؤم، كما لا نريد أن نبيع من الناس وهما.