كل الخشية هي أن يكون المجتمع الدولي والعربي على باب الاقتناع بأن لبنان، الجسم المريض في هذه المنطقة بات ميؤوساً منه من كثرة تكرار قادة الدول ومسؤوليها بأن ساعدوا أنفسكم لنساعدكم، من دون أي تجاوب من القيمين على السلطة.
قد لا تكون هذه الخشية في محلها راهناً، لأن كافة المراجع الدولية الأساسية ما زالت تبحث في تقديم المساعدات “الإنسانية” للبنانيين لمواجهة حال العوز والتدهور في أحوال أكثريتهم التي باتت أقرب إلى العدم. وسعي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول العربية إلى مواصلة تقديم الإغاثة عبر بعض الخطوات السريعة قد لا يسمح بالاستنتاج أن الدول المعنية تخلّت عن البلد.
إلا أن حال الفوضى والتسيّب المعيشي والأمني أدت إلى تسلل أفكار ربما تلقى صدى بعد مدة، في ظل نقاش بعض الدوائر الدولية عما إذا كان المريض اللبناني بلغ مرحلة متقدمة من المرض بحيث صار من غير المجدي الإنفاق عليه لأنه قد لا يكون قابلاً للإنعاش أو للبقاء على قيد الحياة، ومن الأفضل تركه لحاله إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وقد لا يكون التخلّي عن لبنان من قبل دول العالم من خلال حجب الفتات الذي ينفق عليه تحت عنوان المساعدات الإنسانية التي تأتيه من هنا ومن هناك، في ظل تسابق المحاور والأحلاف الخارجية على استقطاب شرائح فيه أو قوى سياسية وطائفية، لكن التفكير باستحالة إنهاضه من مرضه العضال حين يأتي الوقت من أجل الإنفاق على تصحيح اقتصاده وعلى ضخ بعض المال في شرايين اقتصاده، لا سيما إذا كان ذلك سينعش طبقة سياسية تمادت في التعامي عن ضرر المنطق النفعي في عقدها التسويات بين مكوناتها السياسية، وذهبت بعيداً في تبرير ارتباطاتها الخارجية بالتعبئة العصبية الطائفية والمذهبية لتشريع تسلطها، مستظلة شعارات كبرى ونبيلة حتى إن لم تكن هي من ابتدعها.
الذين يخشون من إمكان التخلي الدولي عن لبنان بسبب اليأس من سلطة متحكمة في قراره لم ينسوا التحذيرات من زوال البلد وتغيير هويته. فتحذير البابا فرنسيس من ذلك لم يكن ليحصل عن عبث، وبعض القادة اللبنانيين أنفسهم يعبرون عن الخطر المقبل، بمفردات مختلفة، آخرها تحذير رئيس البرلمان نبيه بري أمس من “إسقاط لبنان من الداخل”. فإذا كان سيسقط فعلاً، كيف يمنع المجتمع الدولي سقوطه طالما هناك في الداخل من يقود ذلك؟
آخر المظاهر التي تكرس حال انعدام الوزن التي يمر فيها لبنان، وفقدانه مقومات الحضور بين سائر الدول، تغييبه عن قمة بغداد التي سعت إلى نجدته بالمحروقات، وعانت ما عانته في إتمام العملية من دون صفقات لإفادة السماسرة، لأن لا سلطة يمكن الركون إليها لتمثيله، بفعل الفراغ الحكومي المقصود عن سابق تصور وتصميم، ولأن هناك قناعة على ما يبدو بأنه لم يعد في المنظومة العربية الإقليمية…
بين مظاهر الفوضى أن يتوزع تقديم الخدمات الرئيسية على المناطق فتتولاها جهات دينية وسياسية بدل مؤسسات الدولة، والتسليم للقطاعات باستقدام ما تحتاجه من محروقات، مثلما يفعل “حزب الله”، ما يعني تأسيس أمر واقع شبه فيدرالي يحجب دور الدولة المركزية.
الخشية من أن يصل المجتمع الدولي إلى استنتاج بأن لا جدوى من الإنفاق على المريض الذي بلغ حالة مستعصية، لأن المشكلة ليست في نقص المساعدات للبنان بل في من يدير التصرف بها ولأي هدف، حتى لو تشكلت حكومة. فإذا كان فرقاء الحكومة يستعدون منذ الآن لتقاسم استثمار أموال قد تأتي من الخارج، وتوظيفها لمنافعهم الفئوية، فإنها لن تؤدي الغرض من صرفها حتى لو عن طريق الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.