Site icon IMLebanon

…لأنه وطنٌ

 

 

نتفاءل بالعام الجديد، رغم المأساة التي نعيشها، ورغم تحويل المنظومة الحاكمة حياة معظمنا الى جهنم. نتفاءل، لأن المافيا المتسلطة ليست بداية لبنان ولا خاتمته. هذا وطن بُني بالكد والجد والدماء، ولن تذهب به الى التهلكة قلةٌ مارقة لا تتساوى إلا بمن استهدفتهم قصيدة محمود درويش “عابرون في كلام عابر”.

 

هذا وطن كوَّن بنوه على مدى السنوات مشتركات قابلة لتأسيس وحدة عيش ومصير في ظل التنوع والاختلاف، من غير حاجة الى أساطير مؤسِّسة أو “رحبانيات” تعزز الفكرة أو تخيِّط الأوهام. ليس “قطعة سما” مثلما هو ليس “خطأ جغرافيا” ولا صنيعة استعمار او طرحاً أجهضه رحم “سايكس بيكو”.

 

من الكهوف التي لجأ إليها الفارون من الاضطهاد، الى السواحل التي صدَّت الغزوات او تحملت وزرها، وصولاً الى تعليق جمال باشا المشانق في ساحة الشهداء في 6 أيار، وانتهاء بأفراح وأتراح مئة عام على “لبنان الكبير”، شهاداتٌ على أن “على هذه الأرض ما يستحق الحياة” وما يدعونا الى الأمل بخلاص بلا زعماء مخلِّصين ولا أنبياء كذبة ولا قادة مبجَّلين ولا لاعبين ماكرين مزورين للحاضر والتاريخ.

 

نتفاءل، لأننا بقدر ما نرى يومياً ارتكابات ناهبي مداخيل الناس ومدخراتهم والمتسببين بوصول الغالبية حدَّ طلب الحاجة، نلمُس نقاء الروح والمعدن الأصيل لدى مواطنين كثيرين مقيمين ومغتربين يتدافعون لدعم المحتاجين ويبذلون ما يستطيعون لإسناد المعوزين ولو بربطة خبز أو بمبلغ بسيط. هؤلاء المعطاؤون بلا ضجيج كلٌ في مجاله، بعضُهم “صدَقةٌ جارية” و”لا تعلم شمالُه ما تنفق يمينه”، وبعضهم الآخر يقدم قوة عمله لمساندة منكوبين، هم لبنان الذي شوهت صورته ممارسات ثلاثين عاماً من الفساد والإفساد، وهم الخميرة التي لا تزال صالحة ولن تخترقها موبقات المافيا وزبانيتها.

 

“نكسر جرة” خلف العام المنصرم لكننا لن ننهيه بالتفجع والنواح. يكفينا ما عايشنا خلاله من آلام ونكبات. ويعز علينا ألا يتبقى في جعبتنا كثير من سهام الأمل التي تجعل الأم تردع ولدها عن الهجرة بدل تشجيعه على الضرب في آفاق الإغتراب، والتي تثبِّت إيمان الشباب بالبلاد بدل الكفر بها.

 

لن نيأس. ما قلناه في المنظومة التي خَسفت الأرض باللبنانيين بعدما تسببت بتفجير مرفأ عاصمتهم ليس بعده أي كلام في معجم الهجاء. نعلن عجزَنا عن اكتشاف أوصاف مهينة إضافية لهؤلاء وفقرَ القاموس لمفردات تحقيرية يستحقونها، لكننا نكرر أننا أبناء الرجاء، وأن نهاية الليل انبلاجُ الفجر بقوة إرادة أي لبناني يعرف قيمة دولة القانون والمؤسسات ومعنى السيادة والحرية والكرامة ويقرر التصدي بشتى الوسائل للوصول الى شاطئ الحياد.

 

لن نيأس. هذا وطن نحن أصحابه، ولن يبقى ملفاً على طاولة أو كرةً في ملعب الفاسدين والطامعين والطامحين، مهما طوينا من اوراق الروزنامة والسنوات.