الأجواء العامة السائدة تؤكد أن المواقع والمواقف متعددة الإنتماءات والإتجاهات، قد بدأ استنفارها لما هو مقبل على البلاد، من تطورات حافلة بالإحتمالات المزعجة، وهي تلقي بها في أتون المطامع والطموحات عديدة الأشكال والألوان والإرتباطات الرافضة لكل أنواع الحلول الإيجابية التي تمكّن هذا الوطن المنكوب من النهوض من عثرات وطنية وإنسانية وحياتية، تكاد أن تقضي على وجوده وأن تدفع به بصورة نهائية وقاطعة إلى أقصى مواقع المآسي والآلام. هكذا… بدأت المواقف المتأججة بأقصى أنواع التهديد والوعيد بحق الآخرين متحدين ومنفردين، وبأوزان وأحجام مختلفة تتناسب مع المواقع التي استلمها كل جمع لذاته ولطائفته ولمذهبه، مستعينا بقوى أقبلت إلينا جموعها وطاقاتها وأموالها وأكلها وشربها من إيران (وفقا لتصريح السيد حسن)، مكنتها إلى حدّ بعيد، من الإمساك بمقاليد الأمور الحاكمة والمتحكمة بأوضاع البلاد وشؤونها وشجونها المؤلمة، فإذا بجوع المواطن ومآسيه الإجتماعية والإنسانية والحياتية وإذا بجهودٍ هائلة تبذل لخلق هذا الوضع القائم المذهل في مدى تناقضاته وإشكالاته والمخيف بما بات يخلقه في أجواء هذا البلد المنكوب، من أحاسيس القناعة شبه النهائية، بأنه بلد يغالب استحالة العيش في أرجائه المنكوبة والمغلوبة على أمرها، وأن أفضل السبل لإنقاذ وجوده وحياته ومستقبله، يتمثل في فتح ما أمكنه من الأبواب شبه الموصدة أمام مسالك الهجرة إلى أي من بلاد الله الواسعة. ما تشهده الساحة اللبنانية في هذه الأيام التي يُزعَم فيها أن هناك استعدادات جدية لانتخابات قريبة تحشد لها جهود حثيثة ترمي إلى نسف الأوضاع وقلبها إيجابيا، رأسا على عقب، فإذا بالجهات المطبقة على أعناق اللبنانيين، وبافتعالات مقصودة تنقلب على سابق توافقاتها وتحالفاتها وتغير وجهة سيرها إلى عكسية مذهلة، الأمر الذي يدفعنا إلى التيقن من أن استمرار الحال على هذا المنوال، يحمل أطنانا من الطاقات التفجيرية لبلد حافل أساسا بما يفوقها حجما ووزنا وأثرا، وأننا إذ نواكب ونستمع إلى شقلبات «الرئيس» جبران باسيل وما يواجهها من مواقف مناقضة أو متحفظة، أو مؤيدة لها ضمنا إسهاما في تقوية العصب الطائفي والمذهبي، وفي مساعدتها على النهوض من كبواتها الشعبوية بما قلّلَ من حجمها وأثرها ومستقبل طموحاتها التي تمكنت الأوضاع المستجدة من الدفع بها إلى أقصى درجات الهبوط والتراجع..
وإذ نواكب ونستمع إلى أقوال ومواقف السيد حسن الأخيرة، مركزين فيها في هذا المجال على تغاضيه عن مواقف جبران باسيل الأخيرة (مع الأخذ بعين الإعتبار بما يدفع بالبعض إلى اعتبارها مواقف وأقوال متفق عليها للمساعدة على شدّ العصب العوني)، ومركزين أيضا على ذلك الهجوم المستغرب في حجمه وحدّته وتوقيته، على المملكة العربية السعودية والزعم بأنها تستهدف اللبنانيين المقيمين والعاملين فيها وفي بلدان الخليج عموما مشككا في تقدير عددهم ودورهم، ومدى الجهد المبذول لتجنب أي إشكال مفتعل قد يعتبره البعض نوعا من ردة الفعل العدائية بحقهم وحق بلدهم، ومركزين بشكل أساسي، على ما كان للمملكة وبلدان الخليج من تصرفات حافلة بروح النجدة والأخوة الصادقة في تقديم المساعدات للبنان وشعبه بكل جهاته وفئاته وطوائفه ومناطقه، وتاركين لمقبل الأيام والمناسبات والتوقعات السلبية مجالا لمعالجة وضعية العلاقات اللبنانية – الخليجية بروح الأخوة والمحبة والوفاء لما كان لتلك البلدان الشقيقة من مواقف وتصرفات مشهودة ومعروفة.
ثم تتوالى المواقف الحادة والمفعم معظمها بروح ممجوجة ومرفوضة من غالبية اللبنانيين الذين لم تجرفهم تيارات الحقد والضغينة والإنتماءات إلى المواقع والتيارات المناهضة لعروبة لبنان والناقضة لأجواء المحبة والأخوة التي لطالما سبق أن سادت العلاقات مع البلدان الخليجية الشقيقة، وفي الطليعة المملكة العربية السعودية.
إن التعرض لرئيس مجلس الوزراء من قبل البعض بشتى صنوف الحقد والإستعداء، لمجرد أن وقف رافضا لكل هذا السيل الغريب العجيب من الأقوال والمواقف التي طاولت بلدان الخليج وفي طليعتها المملكة، إن هذه الهجمة المستغربة والمستنكرة من قبل غالبية اللبنانيين أمر مرفوض ومستهجن بل إن الرئيس ميقاتي قد اتخذ موقفا متزنا ومتوافقا مع التوجهات اللبنانية العامة الحريصة على حسن العلاقة مع المملكة، وقد أورده الرئيس ميقاتي في حدوده الدنيا التي لو لم تكن، لكنا في مرحلة يصب فيها بعضنا، موادَ حارقة وملهبة على أوضاع لا ينقصها مثل هذه التصرفات التي تطاولنا وتطاول مجهود التهدئة التي نحتاج إليها في هذه الايام العصيبة، دونما أي لزوم لتلك «الأوركسترات» المفتعلة والمؤيدة لزعمائها وموجهيها مضيفة إلى الأجواء المحتقنة، أشد أنواع التحريض والدعوة إلى الإيغال في الدفع بهذه البلاد المنكوبة إلى دنيا الخراب الأوسع والأشمل.
يرجى من رافضي سلامة التوجهات الآيلة إلى تكريس عروبة لبنان وشموليتها خاصة للملكة وبلدان الخليج، مراعاة انتماءات ينص عليها الدستور اللبناني وتحث على تحقيقها المصالح اللبنانية العليا.