Site icon IMLebanon

لبنان: سِباق مع الوقت

إهتمّت الأوساط الديبلوماسية الغربية بشكل استثنائي باللقاء الذي جمع العماد ميشال عون بأمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله. وأسباب هذا الاهتمام الفائق مردّه ليس فقط لأنه اللقاء الأول بين الرجلين منذ مدة طويلة وسط التطورات الكبرى الحاصلة وتلك الحربية المنتظرة في منطقة القلمون، بل ايضاً وخصوصاً ما يمكن ان ينتج عن تفاهمهما من تأثيرات سلبية تطال الحكومة والاستقرار السياسي الذي يحرص الغرب، وخصوصاً واشنطن، على استمراره.

وبَدت هذه الأوساط الديبلوماسية قلقة جداً إزاء ما تسرّب عن لقاء الثلاث ساعات، ذلك انّ السيّد نصرالله، والذي تولى الكلام معظم الوقت، جَدّد للعماد عون دعم حزب الله الكامل والمطلق في معاركه السياسية إن على صعيد رئاسة الجمهورية او حتى على صعيد التعيينات الأمنية.

ولا شك في انّ العماد عون، الذي كان شديد الارتياب حيال تركه وحيداً يصارع في ملف قيادة الجيش ما دفعه للتلويح بأنّ من يتخلّى عنه سيُبادله بالمِثل، لَمسَ إشارات ايجابية حتى قبل الاجتماع بالسيّد نصرالله تَمثّلت بإعلان الرئيس نبيه بري عبر إحدى الصحف تأييده لوصول العميد شامل روكز الى قيادة الجيش، ما دفعه ربما للاستنتاج بأنّ تواصلاً ما حصل بين برّي وحزب الله أنتجَ هذا الموقف.

خلال اللقاء أجرى السيّد نصرالله جردة كاملة لمسار الاحداث منذ تشكيل الحكومة الحالية مروراً بالتعيينات التي حصلت وحسابات الربح والخسارة بما فيه معركة رئاسة الجمهورية التي يقودها العماد عون. والعماد عون بدوره تحدّث عن رؤيته مُبدياً تصميمه على الوصول الى الاهداف التي رسمها.

قال إنه رفض عرض «تيار المستقبل» والقائم على دَمج ملفّي رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش، وبالتالي إنجاز التعيينات الأمنية الآن فيما يجري التطرّق الى ملف رئاسة الجمهورية بشكل منفصل ومستقل.

وبَدا العماد عون مصمماً على مبادلة تيار المستقبل بالمِثل، أي انه لن يسير بأي تعيينات أو بنود يريدها تيار المستقبل وحلفاؤه طالما انّ ملف التعيينات الأمنية لن يمشي. وهو ما يعني انّ الحكومة ستدخل في حال من الشلل ولن تكون قادرة على إدارة البلد. وبَدا انّ عون يعتبر هذا الإجراء تدبيراً أوّلياً، حيث قد يَلي ذلك مرحلة ثانية قد تشهد استقالة تكتّله من الحكومة.

في المقابل كان السيّد نصرالله واضحاً لجهة مجاراة عون في أيّ قرار يتخذه، لا سيما بخصوص الاعتكاف على أن يلتقيا لاحقاً للتنسيق قبل الدخول في المرحلة الثانية او مرحلة الاستقالة الكاملة عندما يحين أوانها.

عاد العماد عون من لقائه وهو يرسم الطريق الذي سيسلكه في الايام والاسابيع القادمة. وبعدما كان قد طلبَ من النائب نبيل نقولا تمثيله في احتفال الموقع الالكتروني للتيّار، أبلغَ الفريق المنظّم صباح اليوم نفسه بأنه سيحضر وسيُلقي كلمة.

وجرى كتابة الخطاب بعناية، خصوصاً لناحية اعتماد الأسلوب الهادىء لتكون خطوة الاعتكاف كردّ فِعل على التمديد لمدير عام قوى الأمن الداخلي، لكنه مَرّر عبارة معبّرة حين اعتبر انّ مَن يلعبون لعبة المراهنة على الخارج سيصبحون في الخارج وسيخسرون الدنيا والآخرة. ما فهم انه تعليق على نتائج زيارة الرئيس سعد الحريري الى واشنطن حيث كان الاستحقاق الرئاسي بنداً رئيسياً في محادثاته.

ذلك انّ الحريري عاد متفائلاً بأنّ الملف اللبناني أصبح على الطاولة، وانّ واشنطن ستعمل على التواصل مع طهران وفق أسلوبها «لإنقاذ» الجمهورية الثانية وعدم ترك الفراغ يسود المؤسسات كي لا يكون ذلك مدخلاً للذهاب الى مؤتمر تأسيسي وفق توقيت زمني يناسب حزب الله.

ما يعني إمكانية إنجاز الاستحقاق الرئاسي بسَعي مباشر من واشنطن وترتيب تسوية سياسية شاملة هدفها «القَوطبة» على احتمال انهيار مؤسسات الدولة، وبالتالي قطع الطريق على المؤتمر التأسيسي كنتيجة حتمية لتحلّل مؤسسات الدولة.

لكنّ اجتماع العماد عون والسيّد نصرالله أنتجَ تفاهماً على خطة التصعيد، والتي قد تؤدي الى شلل حكومي. وبَدا انّ واشنطن عادت ونصحت تيار المستقبل بدفع «الأثمان» المطلوبة لعدم تعطيل الحكومة والدخول في المجهول، كون التواصل مع طهران حول الملف اللبناني بحاجة لبعض الوقت لإنضاج بعض الظروف، أضف الى ذلك المواجهات العسكرية المنتظرة في القلمون، والتي ستصبح نتائجها أصعب في حال تعطّلت الحكومة اللبنانية التي تشكّل مساحة نفوذ «للمستقبل».

فحرب القلمون على وشك بدء مرحلتها العنيفة بعد عمليات جسّ النبض التي حصلت في الاسابيع الماضية وأنتجَت سيطرة على بعض التلال الثانوية. وبَدا انّ مجموعات حزب الله أنجزت استعداداتها العسكرية، وهي قرّرت تسليم المنطقة اللبنانية المتصلة بالقلمون بعد تحريرها وهي حوالى 7000 كلم2 الى الجيش اللبناني فيما سيسلّم المنطقة السورية والبالغة حوالى 6000 كلم2 الى الجيش السوري بعد أن طلب منه ترك مسالك «هروب» للمسلحين لضمان نتائج المعركة. واشنطن تدرك انّ اللعبة خطرة في هذه المرحلة وانّ التقاط الأوراق الميدانية جار بقوّة.

فمعركة جسر الشغور أظهرت حجم الدعم الممنوح للنصرة لتهديد اللاذقية: 20 انتحارياً فجّروا أنفسهم دفعة واحدة ما أدى الى إحداث خرق واسع في خط الدفاع، وسجّل إطلاق 2000 صاروخ من نوع «تاو»، ما يعكس نوعية التسليح الحاصلة.

في كمب ديفيد سيعمل الرئيس الاميركي على رسم إطار سياسة جديد للمنطقة لجهة انّ هنالك أدواراً للجميع وأنّ ايران أصبحت جزءاً من الحل، وهي باتت عامل استقرار لا العكس، وقد تشكّل هذه القمة مناسبة للبحث بسبل فتح خطوط التواصل مع ايران. لذلك تفضّل واشنطن «تهدئة البال» في لبنان بانتظار وَضع القطار الاقليمي على سكة المفاوضات، ما يسمح بطرح مخارج للأزمة اللبنانية من خلال التواصل الإيراني – السعودي برعاية أميركية مباشرة.

وانسجاماً مع هذا المناخ، طلب نادر الحريري موعداً لزيارة العماد عون بخصوص التعيينات الامنية والاستحقاق الرئاسي. ويبدو انّ الدكتور سمير جعجع، الذي لمسَ ايضاً هذه الأجواء، قرر ان يلتقي العماد عون خلال الأيام القليلة المقبلة بعد طول تردّد.

وقد مَهّد لذلك من خلال إبلاغ الرابية تراجعه عن معارضته للعميد روكز كقائد للجيش، وهو ما يزال يهدف من لقائه مع عون أن يكون شريكاً في تسمية الرئيس التوافقي، طالما انّ ظروف التفاوض بدأت تتحضّر إقليمياً، لكن للعماد عون حسابات مختلفة.