IMLebanon

لبنان بعد عَقْد على غياب رفيق الحريري: شغور رئاسي وتعطيل للسلطة

ليست الذكرى العاشرة لإغتيال الرئيس رفيق الحريري التي تحل هذا اليوم، مجرد محطة عادية تحط رحالها كما في كل 14 شباط من كل عام. فللذكرى أكثر من بعد، وأبعد من أن تكون رمزية.

عقد مضى بأعوامه العشرة على غياب الرئيس رفيق الحريري كانت مثقلة بالاحداث والتطورات التي تركت بصمات كبيرة على المشهدين المحلي والاقليمي، فأحدثت تغييراً جذرياً. صحيح أن معالمه لم تتضح بعد بشكل نهائي، وإنما يبدو واضحا من مسار تلك التطورات أن إغتيال الحريري يدخل ضمن هذا المسار، تماما كما العمل المبرمج الجاري على إغتيال مشروعه السياسي والاقتصادي وإقصاء خلافته في قيادة هذا المشروع.

في يوم الذكرى، يتوجه جمهور الرئيس الشهيد ومحبوه إلى البيال، حيث يقام الاحتفال المركزي، والجميع في توق للاستماع إلى ما سيقوله الرئيس الابن سعد الحريري في ذكرى إغتيال الوالد والزعيم، وإلى خريطة الطريق التي سيرسمها لمشهد داخلي وإقليمي مضطرب وملبد لا يحمل في طياته الا المزيد من الخوف على المصير والقلق على المستقبل في ظل تحديات غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث.

فالذكرى تحل وسط صعود غير مسبوق للحركات التكفيرية التي حولت ما بدأ ربيعاً عربياً حرباً شرسة ضد الارهاب لم يعد معروفاً من يقودها.

وتفاقم الوضع السوري في ظل التورط المتمادي لـ”حزب الله” في الحرب السورية بدأ يحمل مؤشرات خطيرة في تداعياته السلبية على الداخل اللبناني. فيما الرهان الذي حصل منذ إندلاع الثورة السورية على سقوط نظام الرئيس بشار الاسد، بدأ يتراجع امام المواقف الدولية المترددة حياله والتي ساهمت بطريقة ما في إبقاء هذا النظام مع ما عناه ذلك من تمديد للحرب ولشظاياها التي لم يسلم منها العمق اللبناني.

فالبلاد تعيش اليوم وسط مخاطر إستفحال الشغور في موقع الرئاسة الاولى منذ تسعة اشهر من دون أي أفق واضح حيال مصير الاستحقاق الرئاسي وموعد إنجازه. وما كان متوقعاً قبل أشهر حيال تعطيل الحكومة على خلفية ممارستها لصلاحيات الرئيس، بات واقعاً اليوم بعدما تحول مجلس الوزراء مجلساً رئاسياً يحرص كل وزير فيه على إستغلال اللحظة حتى أقصى الحدود تحقيقا لمكاسب تعزز الرصيد السياسي والحزبي والانتخابي وحتى المالي حيث يقتضي الأمر. اما مخرج التمديد للمجلس النيابي منعاً للفراغ فلم ينقذ السلطة التشريعية من الشلل والتعطيل المبرمج كذلك منذ أكثر من 3 اشهر.

قد يكون العنوان الأمني تحت شعار حماية الاستقرار مظللاً بشبكة أمان دولية الأمر الوحيد الذي بقي خارج حلبة الصراع السياسي بحيث التزمت القوى السياسية المحلية السقف الامني ولم تخرج عنه في الداخل، فيما خرج “حزب الله” الى رحاب الملعب الاقليمي من دون أي رادع داخلي. ذلك ان الاعتراضات الداخلية لفريق سياسي مثلته حركة 14 آذار لم تمنع الحزب من التوسع إقليمياً والتحول إلى لاعب إقليمي لا مكان للبند المحلي على أجندته الخارجية.

حتى الحوار المنعقد بين الحزب وتيار “المستقبل” لم يقم إعتبارا لهذه الاجندة، بحيث بقيت الملفات الشائكة والساخنة خارج البحث. وقد بدا واضحاً أن للحزب أفضلية كبيرة في هذا المجال على التيار الذي بدا في موقع “ام الصبي” في إدارته للملفات الخلافية.

فالحزب دخل الحوار تحت شرط إبقاء سلاحه وسرايا مقاومته وانخراطه في سوريا خارج البحث مقابل إبقاء ملف المحكمة الخاصة بلبنان والناظرة في قضية إغتيال الرئيس الحريري خارج البحث ايضاً.

والهاجس الذي يشغل جمهور “المستقبل” و”ثورة الارز” اليوم، يتمثل في السؤال الآتي: هل خسرت هذه الثورة أهدافها او أضاعت بوصلتها او حتى فقدت توازنها مع جلوس الخصمين الى طاولة واحدة، في حين أن احدهما لا يزال شريكا محليا بينما الآخر أصبح لاعباً إقليميا؟

هذا الهاجس ينسحب كذلك على كل الحركة الاستقلالية التي جسدتها 14 آذار، وهي التي منيت بخسائر كبيرة على مر الاعوام الماضية منذ فقدت مظلة بكركي التي جسدها بقوة البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، ومنذ خسرت من صفوف قيادتها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، ومنذ فُصل عنها رأس قيادتها بإضطرار زعيمها سعد الحريري الى البقاء خارج البلاد.

قد تكون الاوراق الرابحة في يد هذا الفريق باتت قليلة في ظل التطورات المتسارعة التي سرقت وهج الثورة وأخذت المنطقة ولبنان معها إلى أماكن أخرى حيث الترقب لما سيفرزه الواقع الجديد والتسويات الكبرى. لكن ما هو أكيد، أقله بالنسبة إلى محبي رفيق الحريري ومفتقديه وشهداء 14 آذار، أن ثمة في لبنان من لا يزال يؤمن بدولة المؤسسات وبعدالة لا يزال مسارها يقض مضاجع الآخرين.