عندما فاجأت روسيا العالم، ودخلت الى سوريا بكامل قوتها العسكرية، اتفق المراقبون والمحللون والاستراتيجيون على «هاشتاغ» يقول «سوريا بعد الدخول الروسي، غيرها قبل الدخول»، بما يعني ان الدبّ الروسي لا بدّ وان يغيّر الواقع على الارض، وقد اصابوا في قولهم هذا، لأن الروس في سبعة اشهر حالوا دون سقوط النظام بعد خمس سنوات من الحرب، وصل فيها المقاتلون المعارضون الى مشارف دمشق العاصمة. والسؤال اليوم، ماذا بعد خروج روسيا المفاجئ على اعتاب انعقاد مؤتمر جنيف الذي يبحث عن حلّ سلمي للحرب السورية يرضى عنه النظام وخصومه، وهل ان الانسحاب الجزئي للقوات الروسية تمّ بمعرفة النظام والتنسيق معه، ام ان هناك اعتبارات اخرى، كوجود خلاف في وجهات النظر حول مستقبل النظام ومستقبل سوريا، او ان الازمة المالية والاقتصادية التي تعاني منها روسيا، بعد احداث اوكرانيا والمقاطعة الاوروبية والاميركية وهبوط اسعار النفط، وعدم تمويل التدخل الروسي من قبل ايران وسوريا، كانت وراء الانسحاب المفاجئ، وهل تعود روسيا الى نجدة النظام في حال استعاد الثوار المبادرة العسكرية ودخلت الى سوريا قوات عربية وتركية، او تم التفاهم على هذه الامور مسبقاً وبمعرفة الولايات المتحدة الاميركية، علماً بأن سفير روسيا لدى الامم المتحدة فيتالي تشوركين سبق له وانتقد الرئيس السوري بشار الاسد قبل يومين من قرار بلاده، متهماً اياه بأنه «لم يلتزم بالسياق الروسي» وقد يكون ما قاله وزير خارجية سوريا في مؤتمره الصحافي «ان البحث في مستقبل الرئيس الاسد خط احمر» له علاقة بما قاله تشوركين.
* * * *
ما يهمنا نحن كلبنانيين ان نبقى على يقظة مما يحصل في سوريا من تطورات، قد تنعكس علينا سلباً او ايجاباً لأسباب عدّة أهمها ان منطقة الحدود السورية – اللبنانية، ستكون احدى ساحات الحرب الساخنة في حال فشلت محادثات جنيف وسقطت الهدنة فعندها سيكون لبنان معرّضاً لحالتين بالغتي الصعوبة، الاولى تدفق المزيد من النازحين السوريين، المدنيون منهم والمسلحون لينضموا الى مليوني نازح، يحمل كل واحد منهم قنبلة موقوتة، في وقت من اصعب الظروف التي يمرّ بها لبنان، خصوصاً بعد تصاعد التوتر بين الدول العربية وايران وحزب الله، وامكان التدخل العسكري العربي في سوريا، وبعد التهديدات التي اطلقها تنظيم «داعش» ضد لبنان وشعبه وقادته، وعدم استبعاد تحريك خلاياه النائمة في المخيمات السورية والفلسطينية، كما ان «جبهة النصرة» اعلنت امس انها ستشنّ هجوماً كبيراً في الايام القليلة المقبلة، دون ان تحدد مكان وزمان ووجهة هذا الهجوم، ويتزامن اعلان «النصرة» هذا مع وجود وفد عسكري سوري رفيع المستوى في طهران برئاسة نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، يرجّح انه للبحث في ملء الفراغ الذي سيحدثه الانسحاب الروسي.
* * * *
مما لا شك فيه ان الانكفاء العسكري الروسي، يحمل وجوهاً مختلفة، يجب على لبنان، وخصوصاً على ديبلوماسيته، الاّ يبقيا في موقع المتلقي او في وضع الانتظار، لأن المرحلة المقبلة، قد تكون مرحلة ولادة «الشرق الجديد»، بعد المخاض الدامي الموجع الذي تعيشه الشعوب العربية منذ حوالى السبع سنوات، واذا كان لبنان ما زال بمنأى عن جحيم الحروب، وفظاعة الموت والتهجير، بقدرة العناية الالهية، وسقف الأمان الدولي، وجهد داخلي بتجنّب مغامرة المواجهة، فقد يقع ما ليس بالحسبان ويفاجأ لبنان واللبنانيون بزحف الكارثة الى عقر الدار، عندها لن يكون في لبنان، خاسر او رابح، مسلّح او اعزل، قوي او ضعيف، وحدها الوحدة الوطنية، والتلاحم الشعبي، والعودة الى الذات اللبنانية بعيداً من اي اعتبار داخلي او خارجي، قد تكون كفيلة بتخفيف وقع الكارثة المتدحرجة باتجاه لبنان، اذا فشل السلام في سوريا.
تصويب
ورد في مقالة الزميل فؤاد ابو زيد خطأ مطبعي يوم الاثنين في 14 آذار 2016 تحت عنوان: «قلوبهم وسيوفهم مع فرنجية» انه في «ذكرى 14 آذار 2005 يوم اجتاح الجيش السوري المناطق اللبنانية الحرّة»، والصحيح انه في العام 1989 لذا اقتضى التصويب.