لن يكون ما بعد القمّة الاقتصادية التي انعقدت في بيروت إلا مثل ما قبلها، ومن السذاجة بمكان التضخيم والمبالغة في التعويل على إعلان بيروت، أو في «نفخ» الأوهام و»تورّم» الأرقام في مصرف الوهم المدعو إلى إنشائه تحت عنوان إعادة إعمار سوريا والعراق وليبيا واليمن، طبعاً «الحكي ما عليه جمرك»، ولكن البعض في لبنان تترنّح آماله كلّما عنّت مليارات المليارات عاصفة أرقامها في الرؤوس!
من المستغرب أن يروّج البعض لآمال فضفاضة على القمة الاقتصادية والتنموية في دورتها الرابعة المنعقدة في بيروت، قمّة بمن حضر، قمة تكشّفت عن واقع عربي تخلّى عن لبنان، العرب استقالوا من دورهم السياسي قبل الاقتصادي والمالي تجاه لبنان، وهذه الاستقالة بدأت في العام 2008 وما تزال تتعمّق وتزداد عمقاً، ولا يُعوّل كثيراً على سياسة «الكيد والنكاية» التي يواجه بها العرب بعضهم بعضاً، وكالعادة أحسن أمير قطر استغلال اللحظة فحضر في زيارة محسوبة بالدقائق إلى بيروت ظهر في الصورة وغادر سريعاً، ومع هذا وجد اللبنانيّون أنفسهم ممتنّين لزيارته، حتى ولو كانت من باب «النكايات» بين العرب وبعضهم بعضاً، على الأقل كسر تمظهر قلّة تقديرهم لدور لبنان والأعباء التي يتحمّلها بالنيابة عنهم، وفي طليعتها منذ سنوات أعباء اللجوء السوري، فيما يتعاملون هم مع هذه المسألة الحيويّة والإنسانيّة والأخلاقيّة بكثير من التجاهل والتقتير واللامبالاة!
وللمناسبة، جاء إعلان بيروت في غاية الفكاهة وهو يسجّل دعوة المجتمع الدولي لـ»دعم الدول العربية المستضيفة للنازحين واللاجئين السوريين، وإقامة المشاريع التنموية لديها للمساهمة في الحد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن هذه الاستضافة»، وبدت في غاية الظرف «الدعوة الى عقد اجتماع يضمّ الجهات الدولية المانحة والمنظمات المتخصصة والصناديق العربية، بمشاركة الدول العربية المستضيفة للنازحين واللاجئين السوريين، للاتفاق على آلية واضحة ومحددة لتمويل هذه المشاريع» من سمع بالأرقام التي تبرّعت بها بعض دول الخليج الأسبوع الماضي انتباه خجل جديد يندى له الجبين من هذه الأرقام الأكثر من هزيلة وسخيفة، جلّ ما في الموضوع أنّ المطلوب إبقاء عبء اللجوء وأزماته ثقيلاً على كاهل دولتيْن عربيّتيْن ترزحان تحت ثقل أزمة النزوح واللجوء السوري، تحت عنوان مثير للضحك هو «الحد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن هذه الاستضافة» للأمانة «شو بدكن تحدّوا لتحدّوا»، الكلام سهل والوعود أكثر سهولة والغاية شديدة الميوعة والغموض والعموميّة، وهي فعلياً لن تخرج لبنان والأردن وهما الأكثر تضرراً من أزمات اللجوء السوري وثقلها.
لبنان ما بعد القمّة، يعود إلى ما قبلها، إلى دوّامة تشكيل الحكومة، 32 وزيراً أو 30 وزيراً أو 300 وزير، نحن عائدون إلى ما كنّا فيه قبل القمّة، ولعبة بثّ الأمل في النفوس والحديث عن «الأفكار» يُكرّر علينا نفس اللعبة وبنفس اللاعبين، وبنفس العناوين، وكأنّ تعطيل التشكيل مناكفة داخليّة ليس أكثر، من المفارقات أنّ وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل أعلن من قلب بيروت أنّ «حزب الله منظمة إرهابية، مضيفاً أن «لبنان وحده هو من يحقّ له الدفاع عن نفسه وأنّ على الشعب اللبناني اتخاذ القرارات الكبيرة»، وأنّ «نوع الحكومة التي ستؤلف مهم للجميع»، حذّر هيل من تشكيل حكومة غير متوازنة، وركّز على تفعيل «حكومة تصريف الأعمال»، حتى ذلك الوقت، لا يزال البعض يجد متعة في تضييع وقت اللبنانيّين بآمال واهية بالحديث عن تشكيل حكومة يبدو أنّها مستحيلة في الوقت الرّاهن!