أيّ يوم تاريخيّ ينتظر لبنان؟! حال الفوضى التي تعصف بلبنان اختصرها بالأمس وزير الداخلية نهاد المشنوق بجملة واحدة «هناك من يريد أن يدفع لبنان الى الدم»، هذا الفلتان الذي يُباغت المواطنين تارة من هنا وأخرى من هناك مهما اختلفت عناوينه ومن أينما سالت أصوات روافده فهو يصبّ في مجرى واحد، امتدّ حفره على مدى أربعة عقود، وكل المؤشّرات توحي أنّ هذا المجرى يستعد للطوفان الكبير الذي سيغرق لبنان!!
ربما حان الوقت لنجمع رؤية لبنان ومستقبله وتاريخه في عين أمين عام حزب الله حسن نصرالله، وهو مشروع إيران لبلادنا، ورؤيتها للبنان منذ ثمانينات القرن الماضي، وما خطّطت له ونفّذته بهدوء، فيما كنّا نحن نتوهّم أنّ لبنان استعاد منذ الطائف مكانته العربية والدولية، حتى دوّى الانفجار الكبير الذي قتل رئيس الحكومة رفيق الحريري، والمشروع الإيراني لم يتغيّر وجوهره ما زال قائماً وتنفيذه جارٍ على قدمٍ وساق، بكلّ أدواته الداخليّة والإقليميّة والدوليّة أيضاً.
وفيما البعض يظنّ أنه يقترع اليوم بالأقدام، يمعن عبر تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية ويضرب بذلك آخر معاقل الحضور المسيحي في الدولة اللبنانية، وما بعد الرئاسة سيفقد المسيحيّون إن استمر الحال على ما هو عليه الموقع الأخير القويّ لهم في لبنان، وسيسعى البعض لانتزاع قيادة الجيش، مثلما انتُزعَ منهم موقع قيادة الأمن العام ولم يفلحوا في استعادته، وعلى وقع الاقتراع بالأقدام علينا أن نذكّر البعض بتصريح لنصرالله أمين عام حزب الله [النهار/ نيسان/ 1989] «نحن لا نطمح إلى تدمير المجتمع المسيحي بل إلى تدمير المؤسسات التي تحكمنا باسم أميركا وإسرائيل»، ونتساءل: ألا نعيش منذ أعوام عشرة مرحلة تدمير المؤسسات عبر تعطيلها، ولم يتبقَّ إلا وضع اليد عليها؟!
ونحن عندما نتحدّث عن تنفيذ حزب الله لأجندة إيرانية قد يظنّ البعض أنّها فقط مرتبطة بالأجندة النووية الإيرانيّة، مع أنّ مشروع إيران المعلن منذ مجيء الخميني هو «التوسّع» لاحتلال العالم العربي برمّته وبوجوه مختلفة، وللبنان الحظّ الأوفر فهو طليعة هذا المشروع، وسبق لأمين عام حزب الله حسن نصرالله أن أعلن عمّا الأمر الذي يحمله حزب الله من «الخميني» الذي يُكنّى عنه بـ»الإمام» في كلامه «دعانا الإمام لإقامة الحكومة الإسلامية في أي بلد نعيش فيه وهذا ما يجب أن نعمل له وأن نفهمه تكليفاً شرعياً واضحاً، وأن نعمل له في لبنان وفي غير لبنان، لأنه خطاب الله منذ أن خلق آدم» [العهد 23 حزيران 1989].
وعلى الذين يقترعون اليوم بأقدامهم، وربما أقدام حشود مندسّة من حزب الله، أن يعيدوا قراءة ما سبق وقاله نصرالله عن الوجود المسيحي في لبنان، مع أنّ الوجود المسيحي سابقاً على الوجود الإسلامي في لبنان بل وفي الشرق «إنّ لبنان وهذه المنطقة هي للإسلام والمسلمين، ويجب أن يحكمها الإسلام والمسلمون» [السفير 12 تموز 1987]، بل هناك ما هو أخطر على الوجود المسيحي وعلى لبنان في الأجندة الإيرانيّة، فحزب الله لا يوجد في عقيدته في الأساس شيء إسمه لبنان «لا نؤمن بوطن اسمه لبنان، بل بالوطن الإسلامي الكبير» [النهار/ أيلول/ 1986].
وعلى الذين يقترعون اليوم بأقدامهم أن يعوا جيداً تقنيّة حزب الله في التعاطي مع الشؤون الداخلية اللبنانيّة، على الأقل هذه رواية حسن نصرالله لهذه التقنيّة «تعلمنا من شهدائنا أن لا ننتظر الحلول والاتفاقات بل أن نسعى للتحرك بحمل البندقية وأخذ القرار من قيادتنا الشرعية المتمثلة بالإمام الخميني الذي لولاه لما كان السادس من شباط ـ «الانقلاب» الأول على الشرعيّة اللبنانية في عهد الرئيس الأسبق أمين الجميّل» [الحقيقة/ 10 شباط 1986 والسفير 9 شباط 1986].
وعلى المقترعين بأقدامهم اليوم أن يعوا جيداً أن «المؤتمر التأسيسي» الذي يطمح حزب الله لبلوغه ليست نهاية الطريق في مشروعه بل هو النقطة ما قبل الأخيرة من سعيه الدؤوب لتحقيق الهدف الإيراني، في ثمانينات القرن الماضي كشف حزب الله مشروعه لمن يريد أن يسمع، إلا أن نظام الوصاية غطّى هذا المشروع بخداع العالم العربي وإظهار نفسه بمظهر الوسيط بين الفريقين العربي والفارسي إلى أن أصبح النظام السوري نفسه تابعاً ذليلاً لمشروع إيران للمنطقة «نحن لسنا قادرين الآن على إقامة حكم الإسلام، لكن هذا لا يعني تأجيل فكرنا ومشروعنا إلى المستقبل. نحن نطرح هذا الشعار لكي يخرج المسلمون من مرحلة الخجل… ونحن لا نملك اليوم مقومات حكم في لبنان والمنطقة، لكن علينا أن نعمل لنحقق هذا. ومن أهم الوسائل تحويل لبنان مجتمع حرب» [السفير نيسان 1986].
هذا غيض من فيض، ولم يعد بعيداً يوم تمكّن المشروع الإيراني من لبنان كلّه، فالعرب اليوم مشغولون بحدود بلادهم، وحدودهم فقط، وفيما ننتحب نحن على شباب الطائفة الشيعيّة التي يرسل حزب الله شبابها للموت في سوريا، يدرك حزب الله أنّ هذا قراره منذ ثمانينات القرن الماضي منذ أرسل الشبان ليقاتلوا العراق من على الجبهة الإيرانيّة، وها هو يكرّر التجربة اليوم في سوريا «كلنا في لبنان حاضرون للتضحية بأنفسنا وبمصالحنا وبأمننا وسلامتنا وبكل شيء لتبقى الثورة في إيران قوية متماسكة» [النهار 9 آذار 1987].