ليس جديداً أننا دخلنا في طليعة البلدان والشعوب التي يستهدفها الإرهاب. هذا حدث منذ سنوات، بشكل أو بآخر، ولكننا اليوم في مواجهة مباشرة وخطرة. هذا ليس تحليلاً ولا هو إستنتاج، إنما هو إعترافات ووثائق وأعمال على الأرض منفّذة، ومخططات قيد التنفيذ مكتَشَفَة.
ولم تمر ثمان وأربعون ساعة على جريمة القاع الإرهابية حتى أحبطت مديرية المخابرات في قيادة الجيش عمليتين إرهابيتين وصفتهما مديرية التوجيه بأنهما «على درجة عالية من الخطورة»، كانتا تستهدفان (وفق بيان التوجيه) مرفقاً سياحياً كبيراً ومنطقة مكتظة بالسكان.
تعالوا نتخيّل ماذا ستكون النتيجة لهكذا عمليتين إرهابيتين… إنه في تقديرنا فوق ما يمكن لهذا الوطن الصغير المعذّب أن يتحمله، والرقم بين المنتجع / المرفق السياحي الكبير والمنطقة المكتظة بالسكان يتجاوز المئات بين شهداء ومصابين، لولا العناية الإلهية والعين الساهرة!
من نافل القول أن نردّد ان الإرهاب لا دين له . هذه مسلّمة لا يختلف عليها عاقلان. ولأنه كذلك فهو يتقصّد إلحاق أكبر الضرر وأشد الأذى بالناس الأبرياء. فالعمليات التي ينفذها الإرهابيون (إنتحاريين كانوا أم غير إنتحاريين) لم توقع الضحايا، عموماً، إلاّ في صفوف المواطنين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الصراعات المحلية والإقليمية والدولية. فالـ200 إصابة بين قتيل وجريح في مطار أتاتورك في اسطنبول هل هم ضالعون في الصراعات الإقليمية والدولية؟!. وأهالي القاع، المواطنون الطيبون، هل هم مشاركون في المعارك ضدّ «داعش»؟ والمواطنون اللبنانيون الذين كانوا سيسقطون، لا سمح اللّه، ضحايا بالمئات في «المرفق السياحي الكبير» وفي «المنطقة المكتظة بالسكان» هل قرعوا الطبول ودقّوا النفير في حرب اعلنوها على «داعش»؟!.
المسألة في مكان آخر.
إنها في مجموعات من المضلّلين، تديرها ادوات معميّة البصيرة، يوجهها عقل شيطاني مفطور على الحقد والكراهية والبغضاء، متستر (كذباً ورياء و… جهلاً أيضاً) بالدين، لأن هذا التستّر يجتذب السذّج الذين لا يحسنون التمييز بين حق وباطل، فيخصعون لغسل الدماغ، وينقادون الى حتوفهم بلا أي وعي. وكأنهم مخدّرون أو خاضعون الى نوع من التنويم المغناطيسي.
وهذا كله كلام. أما الفعل فهو في مكان آخر ويجب أن يكون كذلك في مكان ثان. الفعل هو في القوى العسكرية والأمنية التي، عافاها اللّه وحماها، تبذل فوق الطاقة في مجال «الأمن الوقائي» وقد عطّلت، حتى اليوم، عشرات المخططات الجهنمية. والفعل يجب أن يكون عند اللبنانيين الذين يفترض أن يتخلى بعضهم عن الأنانيات، وبعضهم الآخر عن الصغائر، وبعضهم الثالث عن الأحقاد، وبعضهم الرابع عن الحسابات الضيقة، ليلتفتوا الى مصلحة هذا الوطن ويبحثوا في كيفية مواجهة الإرهاب في هذه المرحلة الخطرة بالغة الدقة والصعوبة.
إن لبنان في عين الخطر الإرهابي وفي مرمى عملياته الوحشية وليس من منقذ إلاّ اللبنانيون أنفسهم.