مناخات التقارب الاقليمية لفحت الأجواء اللبنانية بنسمة من التفاؤل المحفوف بالحذر.
ويعتقد البعض ان شرارة التقارب انطلقت من الاعتذار التركي لذوي الطيّار الروسي الذي أسقطت طائرته بنيران تركية فوق سوريا. قابله اعتذار اسرائيلي مع دفع تعويضات عن أضرار السفينة مرمرة التي اندفعت لفك الحصار الاسرائيلي عن غزة، والأهم في خلفية هذه المصلحة توقيع اتفاق تركي – اسرائيلي لمدّ أنبوب للغاز من شواطئ فلسطين المحتلة الى مرفأ المرافئ التركية، لنقل الغاز الاسرائيلي الى أوروبا، بعدما فشلت عملية مدّ مثل هذا الأنبوب باتجاه جزيرة قبرص فاليونان، لأسباب تقنية…
هذا التقارب المصالحي بين بعض فرسان الميدان السوري المشتعل، تزامن مع حركة انفتاحية سياسية متبادلة، بين بعض أركان السياسة اللبنانية، النائب وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع في منزل النائب نعمة طعمة مساء، ثم جعجع مع الرئيس سعد الحريري على السحور في بيت الوسط، وقبل جعجع جال الرئيس الحريري رمضانياً على الفعاليات السياسية السنية، في بيروت وطرابلس وعكار، والاقليم وصيدا والعرقوب، وبرزت في افطارات لمّ الشمل ثغرة طرابلسية لم ينجح في سدّها الوسطاء، تمثلت بغياب الوزير أشرف ريفي عن الصورة.
لكن بعض الأوساط المتفائلة واثقة من ان ما تعذّر في الافطارات الرمضانية قد يغدو ممكناً في العشوات الصيفية اذا ما إلتقى الفرقاء عند معادلة التفهم والتفاهم التي صاغها الرئيس الراحل صائب سلام خلال مراحل حكوماته المتعاقبة.
بالنسبة الى لقاء جنبلاط – جعجع، فقد بدا أنه المدخل لخطوات لاحقة، قد تكون كبيرة، خصوصاً بعد حلحلة العلاقة المعقّدة بين الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون، على نار المراسيم التطبيقية لقانون الغاز والنفط، حيث نقل عن جنبلاط طلبه الى جعجع الاجتهاد أكثر في اقناع الرئيس سعد الحريري بالتحوّل نحو خيار العماد عون للرئاسة، ما استنتج منه البعض ان جنبلاط صعد الى جانب جعجع في القاطرة العونية. فحثّه رئيس القوات على اقناع الحريري لأخذ هذا الاتجاه، انما هو رسالة ودّ، وجهها زعيم المختارة الى جنرال الرابية، ببريد حكيم معراب…
وبهذا يقول النائب انطوان زهرة صراحة، ان الدكتور جعجع يحاول إقناع الجميع بالالتفاف حول رئاسة العماد عون، لكن كما جنبلاط كما جعجع، كلاهما يدرك بأن زعيم المستقبل لا يمكن ان يتجاوز بقناعاته حدود الرؤية العربية الصادقة لمستقبل الدولة اللبنانية.
من هنا كان رهان بعض الأوساط على زيارة الحريري الى مكة المكرمة، كعادته في كل عيد، والتي تعدّت هذه المرة أهمية زياراته التقليدية الأخرى، بحكم كونها أتت بعد إفطاره في الدوحة ولقائه أميرها الشيخ تميم، ما شكّل نوعاً من اعادة التموضع السياسي السليم.
مجمل هذا الحراك الانفتاحي وسّع قليلاً من ابتسامة فاقدي الأمل برؤية رئيس جديد للبنان، في المرحلة المنظورة، رغم قناعتهم، بصعوبة فهم اللغة الأعجمية، التي تمسك بورقة الرئاسة، وتنكر ما تمسك باليدين، لكنهم يقرأون المشاهد الدولية والاقليمية بلغة المصالح الأميركية – الروسية، والتركية – الاسرائيلية، فيستنتجون بأن دخول لبنان على خط انتاج الغاز، الذي أشعل الصراع حوله، حريق سوريا المستعر، وتوقيع الاتفاقات التركية – الاسرائيلية على حساب ضحايا مرمرة وغزة المحاصرة، يسمح بالاعتقاد أن مناخات التقارب السياسي التي سادت خلال شهر رمضان لم تكن مجرد سحابة صيف عابرة…
لكن اذا سكبت المزيد في الكأس المليان، يسقط الشراب على الأرض.. وكأس اللبنانيين مملوء بالخيبات والصدمات والمآسي، ولا مكان للمزيد. ومن هنا الحديث عن التفاؤل بحذر، الحذر من شهية الانتحاريين للساحة اللبنانية، ومن جرح القاع الذي حرّك شياطين العنصرية العمياء بوجه ضحايا ينظر البعض اليهم بصورة جلادين.
ومعروف أن أسهل الأمور الدخول في العداوة، لكن أصعبها الخروج منها…