Site icon IMLebanon

لبنان ومقاربة فلسطينية جديدة: الرغيف في موازاة الأمن؟

 

«صفقة القرن» تهدد حق العودة كما الاستقرار الداخلي

 

 

ليس لبنان اليوم أمام تحول صفقة القرن إلى خطر داهم عليه، أمام خيار آخر غير الإلتفات الى آلية لمعالجة المخاوف الفلسطينية على مصيرهم والتي تشمل لبنان شعبا ودولة.

 

لطالما وجه الفلسطينيون مطالب محقة الى الدولة اللبنانية تشمل مقاربة عادلة لقضاياهم التي واجهتها العهود اللبنانية المختلفة من الباب الأمني، من دون الولوج الى أصل المشكلة الفلسطينية الداخلية التي تتطلب مقاربة إنسانية تشمل قضاياهم الاجتماعية والحياتية التي تزداد تدهورا مع مرور الزمن حتى باتوا بالكاد يغنمون رغيف يومهم.

 

اليوم، لم يعد هذا الأمر من كماليات واجبات لبنان تجاه اللاجئين الفلسطينيين. وبات على الحكومات اللبنانية الابتعاد عن ترف الخطابات المتعاطفة مع القضية الفلسطينية ومعاناة اللاجئين للانتقال الى معالجة جادة، قدر الإمكان، لمعاناة هؤلاء.

 

حق العمل والتملك

 

مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي بينيامين نتنياهو ما اعتبراه خطتهما للسلام أو ما يسمى بـ»صفقة القرن»، بات على لبنان التحرك جديا نحو الفلسطينيين الذين قدموا الكثير مما عندهم إزاء المطالب اللبنانية الأمنية منهم داخل المخيمات والتي أثمرت دحرا كبيرا للإرهاب.

 

في المقابل، لم يحصل اللاجئون على الجزء اليسير من مطالبهم، لا بل قوبلوا بخطاب عدائي من وزير العمل الأخير كميل أبو سليمان. لكن كان واضحا أن الوزير، الذي حاول فرض الحصول على إجازة للعمل لكي يتسنى للفلسطيني العمل في لبنان، كان يتحدث منفردا من دون إجماع محلي على خطوته التي قوبلت برفض لبناني أيضا. وبعد سقوط الحكومة، بات على الوزيرة الجديدة للعمل لميا الدويهي، وهي التي تنتمي الى تيار متعاطف مع القضية الفلسطينية، التعاطي بواقعية أكبر مع هذا الملف الشائك ومراعاة كون الفلسطينيين لاجئين أشقاء وغير غرباء وقضيتهم ولبنان واحدة على صعيد التمسك بحق العودة.

 

ويواجه لبنان اليوم خطرا على وحدته الداخلية كما على موارده القليلة بالأساس، وسط أزمة سياسية كبرى ومعضلات إقتصادية وإجتماعية هائلة ليس لبنان بقادر على حلّها قريبا. ذلك أن النية الاميركية والاسرائيلية هي لتوطين اللاجئين في دول اللجوء، ومن بينها طبعا لبنان الهش داخليا وغير القادر على أن يحمل على كاهله وضعا كهذا يُضاف الى مشاكله الكبيرة.

 

إزاء هذه القضية، تبدو الدولة اللبنانية مطالبة بمصارحة مع فلسطينييها إنطلاقا من سياسة لبنان الداعمة للحق الفلسطيني وصمود اللاجئين عنده، بغض النظر عن حجمهم الفعلي بين الواقع والتهويل. وبات ضروريا النظر الى الحقوق الانسانية والاجتماعية للاجئين وتوفير حياة كريمة لهم، وهي مسائل لا تتخطى قضايا يطالب بها هؤلاء مثل حق العمل، ليس في القطاع العام بل الخاص ولمن ولد في لبنان، وحق التملك ولو لشقة واحدة تأوي الفلسطيني في لبنان وغيرهما من متطلبات الحياة العادلة لشعب مشرد من أرضه في دولة شقيقة.

 

وتبدو الازدواجية اللبنانية في التعريف الاستنسابي للاجىء الفلسطيني الذي يفيد الاقتصاد اللبناني وينفق ما يملك بما يعود إيجابا على لبنان. فعلى سبيل المثال، عندما بروز أي مستجد أمني لبعض الفلسطينيين علاقة به، يتم اعتقال الفلسطيني بعد تصنيفه أجنبيا، أما عندما يريد الفلسطيني نفسه التملك، فيعتبر لاجئا ويُبعد عن كونه أجنبيا!

 

وقد تطلب الامر جهودا كبيرة من قبل الفصائل الفلسطينية وقوى لبنانية للتوصل الى مصارحة على هذا الصعيد وحوار كان بدأ بين الجانبين بعد صعوبات وانقسامات فلسطينية فلسطينية، وحالت دون استكماله الاحداث اللبنانية الاخيرة منذ 17 تشرين الاول، علما ان الفلسطينيين أنفسهم قد تحلوا بالمسؤولية عبر وقف أنشطتهم الاعتراضية التي كانت تتخذ طابعا شعبيا ولم تكن في وارد التوقف، على أداء وزير العمل لعدم المساهمة في الازمة اللبنانية الداخلية كما لتحييد الفلسطينيين عنها.

 

وفي السنوات الماضية، غالبا ما رمت السلطات اللبنانية الكرة في الملعب الفلسطيني وبدت كما لو أنها تتنصل من المسؤولية عبر مطالبتها لهم بالوحدة، كما كان للأحداث اللبنانية الداخلية عاملها الهام في بطء الحوار بين لبنان والفلسطينيين، وهو ما يفسر قلّة الانجازات التي تحققت في كل السنوات الماضية.

 

الأمر يتعلق بمدى جدية العهد والحكومة اللبنانيين في إجراء مقاربة جديدة لهذا الموضوع، علما أن الفصائل كانت قد تفاءلت بوصول عهد جديد الى البلاد إعتبرت أنه سيكون قادرا على التقارب معها. ومن جهة لبنان، لا حجة اليوم للاكتفاء بمراقبة ما يحدث في المنطقة والذي سينعكس، ليس فقط على الواقع الفلسطيني في لبنان، بل من دون شك فإنه سينعكس سلبا على هذا البلد ليهز استقراره.

 

تهديد الإنجازات الأمنية

 

الواقع أن الانجازات التي تحققت أخيرا في المخيمات الفلسطينية تبدو مهددة في حال تجاهل لبنان خطر التوطين ولم يلجأ الى معالجة مخاوف الفلسطينيين وقضاياهم المعيشية، في ظل شح تمويلي من قبل الـ»الأونروا» والذي يدخل طبعا في سياق المؤامرة الأميركية والدولية على اللاجئين. إذ أن جهدا كبيرا قد بذلته الفصائل الفلسطينية لمجابهة التنظيمات والخلايا التكفيرية في المخيمات، وخاصة أكبرها عين الحلوة، وقد تم ذلك بالتنسيق مع الاجهزة الأمنية اللبنانية ما أثمر انحسارا كبيرا لتلك التيارات التي قد تتنامى في ظل استفحال أزمة الفقر في المخيمات لتتغذى منها وتعود الى النشاط من جديد.

 

لذا، فإن المسؤولية كبيرة على لبنان كما على الفلسطينيين، وتتطلب وجود نية صافية لمتابعة ما تحقق والبناء عليه، خاصة وأن المنطقة، غير المستقرة أصلا، قد دخلت في مرحلة دقيقة مرشحة للتصاعد في ظل ضوء أخضر أميركي في أحيان كثيرة للحكم الاسرائيلي المتطرف للتصرف كما يحلو له، وهو الذي يريد اغتنام فرصة تواجد ترامب على سدة الحكم في الولايات المتحدة الأميركية حتى ولو لم يتمكن الأخير من التجديد لنفسه لولاية مقبلة.