Site icon IMLebanon

لبنان و«الخروج البريطاني»: الإيجابيات تفوق السلبيات

صوتت بريطانيا لمصلحة الخروج من الاتحاد الاوروبي بعد 43 سنة من انضمامها، تحت شعارات «استعادة السيادة»، الاستقلال، تحرير بريطانيا من بيروقراطية بروكسل وتشريعاتها المفرطة (60 % من القوانين البريطانية)، توفير الاموال الاضافية للنظام الصحي (حصة بريطانيا 18 مليار جنيه استرليني في الاتحاد)، تعزيز تجارتها الخارجية لتصبح أكثر ديناميكية (التوجه نحو الصين والهند)، مواجهة الأعداد المتزايدة للمهاجرين (330 ألف مهاجر منهم 180 ألفا من أوروبا الشرقية)، مكافحة الإرهاب.

يتسبب خروج بريطانيا بتداعيات على اقتصادها وعلى الاتحاد الاوروبي ويبرز من خلال:

– الاقتصاد البريطاني: يحذر صندوق النقد الدولي من سقوطها بانكماش اقتصادي حاد (0.8% -) في العام 2017 وخسارتها 5.6 % من ناتجها المحلي حتى العام 2019 نتيجة أجواء عدم اليقين والضبابية التي ستؤثر على الاستثمارات وعلى اسعار المنازل والاستهلاك اضافة الى هبوط قيمة الجنيه الاسترليني (أكثر من 10 %)، وتأزم وضع المالية العامة والحساب الجاري، وتزايد البطالة من 5 الى 6.5 %، والتضخم من 2 الى 5% نتيجة ارتفاع اسعار السلع المستوردة، واضطرار المصرف المركزي الى رفع معدلات الفوائد للحد من التضخم.

كذلك يخشى من خسارة لندن مركزها المالي العالمي (الثاني عالميا بعد نيويورك وتسيطر على 40 % من سوق العملات أي حوالي 2100 مليار دولار يوميا، وعلى 20 % من القروض الدولية اضافة الى انها تعتبر أول مركز مالي لعمليات العملة الصينية ويتركز فيها خمس النشاط المصرفي العالمي) كما يخشى من انتقال الشركات والمصارف والمؤسسات المالية العالمية الى باريس وفرانكفورت، وخسارة بريطانيا امتيازاتها مع الاتحاد الاوروبي على صعيد الاتفاقيات التجارية (45 % من صادراتها و10 % من وارداتها) وحرية انتقال السلع والاموال والاشخاص، والاتفاقيات الجمركية والضريبية الموقَّعة، اضافة الى خفض وكالات التصنيف الدولية تصنيفها الائتماني.

– الاتحاد الاوروبي: يتسبب «الخروج» بزعزعة هيكل الاتحاد وتفككه اذ يخشى من «أثر الدومينو» أي أن تلحقها دول أخرى (ايرلندا، اسكتلندا تطالبان بالاستفتاء، اسبانيا، اليونان، بولندا، المجر). كما يخشى من سيطرة النزعات السيادية والاستقلالية في هذه الدول (فرنسا، هولندا).

كذلك يحمل الخروج تداعيات اقتصادية على الاتحاد الاوروبي اذ يشكل الاقتصاد البريطاني 15 % من اقتصاد الاتحاد وثاني اقتصاد بعد ألمانيا وخامس اقتصاد عالميا، ويؤدي «الخروج» الى هبوط قيمة اليورو، والى تقلبات حادة في الاسواق المالية بسبب أجواء عدم اليقين (تراجعت البورصات العالمية بشكل كبير وبلغت خسائرها حوالي 2100 مليار دولار وطالت بشكل رئيسي المصارف الكبرى التي تراجعت بين 10 و20 %)، إضافة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي (1.3 % في العام الحالي) بسبب دخول الاتحاد في مرحلة ضبابية مقلقة، كما يؤدي ذلك إلى تعديلات في السياسة النقدية للمصرف المركزي الاوروبي لحماية العملة ومكافحة التضخم وتنشيط الاقتصاد.

أما العلاقات الاقتصادية اللبنانية – البريطانية، فإنها محدودة، اذ تتمثل بتبادل تجاري لا يتجاوز سنويا 620 مليون دولار (580 مليون دولار للاستيراد و40 مليون دولار للتصدير) وبتحويلات لا تتجاوز 3 % من اجمالي التحويلات، اي ما يقارب 210 مليون دولار، اضافة الى وجود استثمارات مهمة للقطاع الخاص في بريطانيا تقدر بمئات الملايين من الجنيهات الاسترلينية (3 مصارف، عقارات، مطاعم، مؤسسات تجارية، توظيفات مالية) ولكن التبعات الفعلية للخروج على لبنان فإنها تأتي بشكل غير مباشر عبر انعكاسات «الخروج» على الاتحاد الأوروبي، والتي تبرز على الشكل التالي:

– هبوط اليورو: يعتبر من أهم تبعات «الخروج» إذ يخفف من فاتورة الاستيراد من منطقة اليورو التي تشكل 30 % من الاستيراد (6 مليار دولار) ما ينعكس إيجابا على الميزان التجاري والمدفوعات، كما يخفف كلفة السياحة الى الاتحاد الاوروبي واسعار السلع والخدمات المستوردة من هذه الدول، فضلا عن انه يخفف من التضخم. في المقابل، فإنه يرفع كلفة السياحة الاوروبية الى لبنان التي تمثل نسبة 27 % من اجمالي السياح.

– هبوط موقت للنفط: انخفضت اسعار النفط حوالي 6 % نتيجة التخوف من تراجع الطلب العالمي بسبب توقع صندوق النقد الدولي ان يتقلص نمو الاقتصاد العالمي بين 0.5 % و 1 %.

ينعكس هبوط اسعار النفط ايجابا على المالية العامة نتيجة خفض التحويلات الى مؤسسة كهرباء لبنان، وإيجابا على الميزان التجاري والمدفوعات نتيجة تقلص فاتورة الاستيراد.

– تقلبات الاسواق المالية العالمية: لن تتأثر بورصة بيروت بالتقلبات لان سوقها ضيق وحجم تداولها ضعيف، وعدد الشركات المدرجة اسهمها قليلة فضلا عن عدم ارتباطها بالاسواق المالية العالمية.

كذلك لن تتأثر المصارف اللبنانية بتقلبات الاسواق بسبب تقيدّها بتعاميم مصرف لبنان الذي يحدد حجم التوظيفات المالية للمصارف في الخارج، وهي تعاميم ازدادت صرامة بعد الازمة المالية العالمية في العام 2008.

– ارتفاع معدلات الفوائد: لن يتأثر سوق الفوائد في بيروت في المدى القريب من رفع معدلات الفوائد في الخارج (الولايات المتحدة، بريطانيا) بسبب الهامش الواسع بين الفوائد المطبقة في لبنان والخارج، ولكن التأثير سيظهر في المدى المتوسط نتيجة تعديل السياسات النقدية في الخارج، وتقليص الهامش في الفوائد بين الداخل والخارج اضافة الى التحديات الداخلية المتعلقة بتباطؤ النشاط الاقتصادي، وتراجع نمو الودائع، وازدياد احتياجات الخزينة العامة، وانخفاض ربحية القطاع المصرفي.

– ارتفاع الذهب: ارتفاع اسعار الذهب بسبب اجواء عدم اليقين وتوجه المستثمرين نحو توظيفات آمنة ينعكس ايجابا على قيمة مخزون الذهب في لبنان ما يعزز الثقة والدعم لاستقرار النقد الوطني.

الاقتصاد اللبناني بمنأى عن خروج بريطانيا من الاتحاد نتيجة ضعف علاقاته الاقتصادية معها ولكنه يعيش تبعات «الخروج» على الاتحاد الاوروبي الذي قد يُدخِل الاتحاد في مرحلة من الضبابية والغموض وعدم اليقين، ما قد يتسبب بهبوط عملته وإضعاف نموّها، وابتعاد مستثمريه وزعزعة اسواقه المالية.

(]) خبير مالي واقتصادي