IMLebanon

لبنان ومصر:  أبعد من الارهاب

حجم التحديات أمام لبنان ومصر كبير جدا. وما كرّسته محادثات القاهرة بين الرئيس ميشال عون والرئيس عبدالفتاح السيسي ليس فقط استمرار المسار التاريخي بين البلدين بل أيضا مواجهة التحديات الحالية بالعمل المشترك في الاطار العربي. لكن مواجهة التحديات تبدأ من محطة اجبارية: تجديد كل منهما دوره الوطني والقومي، بعدما طغت العصبيات الطائفية والمذهبية والصراعات الاقليمية على المسرح العربي الواسع. فالوطن الصغير فقد الكثير من دوره المعتدل في الحرب وبعدها. والبلد العربي الأكبر خسر دوره القيادي العربي في كامب ديفيد وبعده. ولو كانت مصر في موقعها القيادي وموقفها الطبيعي لحالت دون الاندفاع في حرب لبنان.

وما يحدث في حروب سوريا والعراق واليمن وليبيا ويحرك الخيوط ويدير اللعبة بكل أنواع العصبيات أفظع بكثير مما حدث في حرب لبنان. ومن هنا الحاجة الماسة الى تجديد الدور القيادي العربي لمصر. لا فقط في مواجهة العصبيات بالقومية بل أيضا في استعادة المسرح العربي من التنافس الاقليمي على الأدوار والنفوذ فوقه. واذا كان لبنان في طليعة البلدان العربية المحتاجة الى دور مصر، فان الأمن الاستراتيجي لمصر كان منذ آلاف السنين ولا يزال مرتبطا بالأمن في لبنان وسوريا وبقية بلاد الشام.

ذلك ان مصر هي الأكثر حاجة الى تجديد دورها. فهي، حتى بحجمها البشري الذي تجاوز الملايين التسعين، ان لم تلعب دورها القيادي العربي، تصبح نوعا من باكستان عربية. وهي تعرف بالخبرة معادلة الترابط بين عاملين: الدور القيادي العربي يحتاج الى وضع داخلي مرتاح اقتصاديا ومتماسك وطنيا وفي انفتاح سياسي. وصيانة مثل هذا الوضع الداخلي تحتاج الى الدور القيادي العربي.

وليس أمرا قليل الدلالات في دولة عمرها سبعة آلاف سنة ان يقول الرئيس السيسي ان مصر تواجه خطة كبيرة ومحكمة هدفها تدمير الدولة، ونحن نخوض حربا حقيقية للحفاظ على الدولة. واذا كانت المهمة في مصر هي الحفاظ على الدولة، فانها في لبنان بناء مشروع الدولة. واذا كان التركيز في القاهرة وبيروت وعواصم المنطقة والعالم على خطر الارهاب والتعاون على محاربته، فان مشاكل العالم العربي أوسع بكثير من الارهاب.

ولا مجال لحجب المشاكل بالارهاب وحده. فضلا عن ان القضاء بالفعل على الارهاب يتطلب حلّ تلك المشاكل: من بناء أنظمة ديمقراطية محلّ الأنظمة السلطوية الى انهاء الحروب بتسويات سياسية لمصلحة الشعوب، مرورا بالالتفات الى قضايا الناس الحياتية.

والمفتاح هو استعادة الدور العربي في زحام الأدوار الاقليمية والمتصارعة على النفوذ والهيمنة عبر توظيف العصبيات واستخدام القوة.