IMLebanon

“تجهيل” هوية العنف بين لبنان والعراق

 

 

تشبه الاعتداءات المتواصلة على المشاركين في الانتفاضة الشعبية والشبابية في وسط بيروت، أو في أمكنة أخرى لا سيما في الجنوب، من قبل الجهات الحزبية المعارضة للحراك الشعبي، تلك التي تتعرض لها انتفاضة الشعب العراقي منذ اندلاع ثورته في الأول من تشرين الأول الماضي.

 

طبعاً الفارق هو في عمليات القتل التي يتعرض لها المتظاهرون في المناطق العراقية المختلفة لا سيما بغداد، على يد مسلحين من فصائل “الحشد الشعبي”، يرفض قادتها أن يطالهم التغيير في تركيبة السلطة، الذي يصر عليه المنتفضون. في العراق فاق عدد القتلى من المحتجين الـ 511 قتيلاً فيما لم يتجاوز عددهم في لبنان الثلاثة.

 

على رغم الفارق في عوامل عدة بين البلدين، وحجم كل منهما اقتصادياً وسياسياً وجغرافياً، إلا أن هناك أوجه شبه قد لا تعني الربط بين الحلول السياسية في كل منهما، لكنها تسلط الضوء على ما يجمع بينهما مع تمايز الظروف والمقاييس. يستشرس قادة الفصائل وبعض السلطة في بغداد في قمع المتظاهرين لأن التغيير الذي يطمح هؤلاء إليه منذ سنوات، يحد من نفوذهم، ومكاسب السنوات الماضية بعد تعاظم التأثير الإيراني. فالتشكيلات العسكرية والسياسية التي نبتت في العراق على حساب العملية السياسية التي تلت الاحتلال الأميركي، استظلت النفوذ الخارجي، وخصوصاً الإيراني من أجل ممارسة أبشع أنواع الفساد والهدر في مالية الدولة العراقية والعائدات النفطية لثاني أكبر دولة في احتياطها البترولي. إحدى المحطات البارزة كانت الحرب ضد إرهاب “داعش”، التي بغطائها ارتكبت شتى أنواع التجاوزات وفي ظلها جرى افتعال تحولات سياسية وديموغرافية كبرى.

 

في العراق سمح الخارج بهذا الكمّ من نهب ثروات البلاد، وكانت المعادلة التي أتاحت ذلك هي تمويل الأذرع الإيرانية في المنطقة من ميليشيات وتنظيمات، مقابل غض النظر عن تمويل جيوب الزعامات والأحزاب والتنظيمات المختلفة. وفي لبنان فرضت الحاجة إلى الحلفاء في تغطية السياسة الخارجية للبلد غض النظر عن صفقات المحاصصة وتقاسم المغانم. وبينما كان الهدر والفساد في العراق يبتلع من الثروة النفطية الدفينة في الأرض، فإن السرقة في لبنان كانت تغرف من الدين المتعاظم على مدى السنوات.

 

في العراق معادلة سياسية مختلفة كلياً لأن لطهران اليد الطولى فيه مهما تعرض دورها للرفض والهجوم، حتى لو جاء تلميحاً على لسان المرجعية الشيعية الرافضة للتدخل في اختيار رئيس الوزراء بعد استقالة عادل عبد المهدي. تأخذ الانتفاضة أعنف أشكالها في المناطق الشيعية خلافاً لما هو حاصل في لبنان حيث الحراك الشعبي متعدد الساحات الطائفية، وأدى إلى خروج شرائح اجتماعية من التقوقع الطائفي. أحد الأبعاد الذي أعطى دفعاً لانتفاضة العراقيين الشيعة أن قادة الحشد الشعبي الموالين لإيران حصلوا، بعد تشريع تنظيماته العسكرية، على أموال طائلة مقابل رواتب عناصره، لكنهم سرّحوا عشرات الآلاف منهم، فباتوا عاطلين عن العمل وأصابتهم الضائقة كسائر العراقيين وانضم كثر منهم إلى الثوار.

 

في كل من العراق ولبنان لم يكن وكلاء طهران مع استقالة الحكومة، بعد انطلاق انتفاضة الشعبين، ويتشابه السجال حول مواصفات الحكومة المطلوبة ورئيسها. فالثوار العراقيون طالبوا بأن يكون رئيس الوزراء المقبل “شاباً ولا يتجاوز عمره الـ 55 سنة، ويتعهد بعدم الترشح للانتخابات المقبلة ومستقلاً عن الأحزاب السياسية”، بينما قادة الأخيرة يريدون من يحفظ لهم امتيازاتهم ومسارب التمويل من الخزينة وفي لبنان يريدون رئيساً ووزراء يضمنون حماية صفقات حققوها.

 

المقلق أن يتحول أحد الفوارق إلى وجه شبه. في بغداد يغتال “مجهولون” هويتهم معروفة، الناشطين أو يخطفونهم، ويطلقون النار على المتظاهرين. في لبنان يتمّ تخوين الناشطين وتعنيفهم بقسوة وحرق خيمهم، مع تجهيل الفاعل، المعروف. فهل إن من يختبئون وراء شباب الأحياء يهيئون لسيناريوات دموية؟