أن يعتبر سينودس الكنيسة المارونية الذي أنهى أعماله أمس أنّهم «مقتنعون أنّ مسألة انتخاب رئيس للجمهورية هي قضية وطنية ومسؤولية جميع القوى السياسية في لبنان، وليست مرتبطة حصراً بالمسيحيين عموماً وبالموارنة خصوصاً»، فهذه قناعة بحاجة إلى بعض التأمّل، خصوصاً وأنّ حزب الله الذي يعطّل لبنان منذ العام 2005 وسبق ومارس تعطيل انتخابات الرئاسة عام 2007 وبنفس الأدوات، يُكرّر منذ عام نفس سيناريو التعطيل وهو هذه المرّة أشدّ خطورة من تلك التي مارسها في العام 2007، يومها لم يكون لبنان محاطاً بنيران المنطقة، ولا الإرهاب العام الذي يجتاح العالم العربي بفعل الأخطبوط الإيراني الذي يريد إغراق الجميع مع مشروعه الذي شارف على لفظ أنفاسه، التعطيل إيراني بامتياز، هذا أمرٌ بات معلوماً للجميع، ولكنّ غطاء هذا التعطيل «ماروني» وبامتياز، من هنا كنّا نتمنّى أن يصرخ السينودس معلناً الجهة المعطّلة ومن يغطّيها، صحيح أنّ انتخاب الرئيس قضية وطنيّة عامّة، إلا أنّ تعميم المسؤوليّة على الجميع يذهب بالوضع اللبناني إلى مزيد من تضييع الوقت «الضائع» أصلاً!!
واحدة من نِعَمِ لبنان أو نِقَمه إخوتنا الموارنة بُناة وحُماة درع الكيان اللبناني، وواحدة من النِّقَم السياسيّة على الموارنة، كثرة الرؤوس المتزّعمة على المسيحيين، ولعنة كثرة المتزعّمين على المسيحيين ما زالت عالقة في حلقة مفرغة، وهنا ربّما علينا مقاربة تأخر ظهور حال التطوّر والتغيير البنيوي في عقليّة الطائفة السُنيّة التي تلبننت في مشهديّة تجسّدت في 14 شباط العام 2005 إلى حدّ فاجأت نفسها فيه، فيما مشهديّة الموارنة لا يزال لبنان يدفع عنهم ومعهم وبهم ثمنها لم تتغيّر!!
ومن دون مواربة نقول الأشياء وبشكل مباشر، إن تدمير لبنان الذي عجزت عنه دولٌ طوال سنوات الحرب جعله خلاف الموارنة لقمة سائغة وعلى طبق من ذهب للنظام الأسدي الذي افترسه وعندما أجبر على الخروج منه التقمه الحوت الإيراني، وما زال قابعاً في ظلمات المشروع الفارسي المجنون، ولا أفق مشرق للنهاية حتى لو سقط المشروع الإيراني، فحزب الله سيرتد على الداخل اللبناني ليهدّ الكيان على رؤوس الجميع، فتركيبته في الأساس «انتحاريّة» لا تقوم إلا على الموت والمزيد من الموت إلى ما لا نهاية!!
وإذا أردنا أن نقرأ تعطيل العام 2007 لانتخاب رئيس للبنان، في ضوء عنوان التعطيل منذ العام 2014، سنجد أن اسم الـ»بعبع» تغيّر واللعبة هي نفسها، ومنذ ذاك الوقت وحتى اليوم، لا يزال اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً عالقين فينفس الفخّ، بازار المزايدة عام 2007 كان «بعبع» التوطين الكاذب وتوزيع تهمته على الآخرين يميناً وشمالاً، «بعبع» العام 2014 هو «التكفيريين» وهذه «هستيريا» ينظّر لها حزب الله الذي لم يصغِ لأحد عندما طالبه الجميع بعدم زج لبنان في أتون المحرقة السوريّة، يوم قال إنه ذاهب حتى لا يأتي الإرهاب إلى لبنان، فأتى الحزب بالإرهابيين إلى عقر داره في الضاحية الجنوبيّة!!
كلّما زايد المسيحيّون على بعضهم البعض، وأضمر بعضهم رغبة دفينة في احتلال الرئاسة الأولى، كلّما خسر لبنان، وخسرت سيادته وحريته واستقلاله، وكلّما تأخّرت بكركي وغبطة بطريركها وسينودس الكنيسة المارونيّة عن تسمية المعطلين ومن معهم ومن ورائهم كلّما خسر الموارنة وخسر معهم لبنان ودولته وشعبه، والحقيقة أنّ «الموارنة» صُنّاع لبنان، وحماة الهويّة العربيّة، ولغة القرآن، وروّاد نهضة العرب، وأنّهم شكّلوا منارة الشرق لقرون طويلة، إلا أنّ الحقيقة أيضاً أن «الموارنة» هم «قضاء وقدر لبنان»، عسى أن يفارق بعضهم نزواته الشخصيّة وعُقده النفسيّة ويغادر المعسكر الإيراني «الشرّير» لأنّ هذه المغادرة وحدها تحمي لبنان ومصيره ومستقبله في هذه الأيام السوداء والليالي الدّهماء، ومسبقاً نعرف أن «لقد أسمعت لو ناديت حيّاً/ ولكن لا حياة لمن تُنادي»!!