على عادته المألوفة «حزب الله»، لا يستحضر «لبنانيّته» إلاّ في المآزق والأزمات. ولا يتذكّرها إلاّ في سياقات الحرج.. أو في عاديات هوايته الدائمة بتحميل غيره، من أصحاب «الهوية الوطنية الجامعة»(؟) تبعات أخطائه وممارساته وسوء حساباته.
العقوبات الأميركية المتجدّدة (والمتطورة) عليه، تبدو مناسبة رنّانة للعودة الى ذلك الطقس الأدائي. بحيث أنّ رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد لا يرى فيها إلاّ «عملية ترهيب للبنان وليس لحزب الله، وهم (الأميركيون!) يريدون تركيع لبنان وإخضاعه والاستفراد به».
وبعض التوضيح المبدئي واجب «شرعاً». ومن ذلك، أن العقوبات تطال الحزب وليس لبنان! وأسماء وعيّنات وبنى تابعة له وليس للدولة اللبنانية! ولا لنظامه المصرفي ولا لتركيبته الدستورية والسياسية العامة! ولا لرجال أعماله ولا لأي شيء آخر غير ذي صلة تنظيمية بالحزب وأطره! بل وأكثر من ذلك: تطاله كتنظيم مُحدّد وليس كطائفة أو مذهب..
لكن اختصارية السيد رعد لا تريد أن ترى ذلك في هذه الحالة القارصة. بل تفتعل تماهياً مع الهوية اللبنانية لم يلمس اللبنانيون شيئاً من ظواهره في معظم المحطات العادية والمفصلية في أداء الحزب المرتبط بإيران في كل نواحي الارتباط. والملتزم سياستها في مجملها وتفاصيلها. والآخذ على عاتقه دور السبّاق الى تنفيذ ما تراه وتريده وتبتغيه.
و«الملف» مثقل بأحمال كبيرات ولا تسرّ خاطر أحد: «حزب الله» لم يلحظ لبنانيّته هذه عندما راح الى سوريا وفق أجندة خاصّة تتأرجح عناوينها في أكثر من اتجاه لكنّها تعبّر عن جذر مذهبي واحد موصول بـ«الولي الفقيه» في إيران! ولم يلحظ لبنانيّته هذه عندما انخرط ولا يزال، في نزاعات إقليمية فائقة الحساسية من دون أي مسوّغ حقوقي أو مصلحيّ أو ضميريّ مع علمه وتيقّنه المسبقَين والأكيدين بالأضرار الفادحة التي يجرّها ذلك الانخراط على لبنان المستحضر في التوليفة البلاغية الراهنة للسيّد رعد! ولم يلحظ لبنانيّته هذه، ولا يلحظها في سعيه المحموم من أجل جعل هذا اللبنان مجدداً مطيّة للفاتك الدمشقي. وجزءاً من محور مأزوم في علاقاته مع معظم دول العالم. وساحة مستباحة لاستعراضات قوة مُخزية لا تفعل إلاّ زيادة التهتك في مفهوم الدولة وسلطتها ودستورها وتوازنها وسلطانها وقواها وشرعيّتها، وتسرّع في المحصلة «تركيع لبنان والاستفراد به»!
ذلك التماهي الذي يفتعله السيّد رعد بين الحزب ولبنان دونه عقَبَة كأداء مركزية: لبنان وفق قياسات «حزب الله» الذاتية والخاصة الموغلة في المذهبية والارتباط بالخارج الإيراني، «كيان» نسبي إن لم يكن مستحيلاً. ولا تزيده ادعاءات الغلبة و«الانتصار» إلا إستحالة!