IMLebanon

لبنان و«ورقة التّوت»

قد تكون الجملة الأخطر، التي سمعها اللبنانيّون بالأمس وردت في بيان كتلة نواب حزب الله وهي «الحكومة والمصرف المركزي معنيان بحماية سيادة لبنان، وأنّ موقف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الأخير جاء ملتبساً ومُريباً ويشي بالتخلي عن السيادة الوطنية وهو مرفوض جملة وتفصيلاً»، الأمر أشبه بسقوط ورقة التوت الأخيرة التي تستر الواقع اللبناني «المهتري»، وهذا أخطر تهديد لما تبقّى من لبنان، خصوصاً أنّه حمل تهديداً مبطنّاً لحاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة، بعد تصنيف حزب الله له بـ»المتخلّي عن السيادة الوطنيّة» ـ ومن دون مزاح ـ وهذا الوصف يُعادل تُهمة «الخيانة العظمى» التي قد نسمعها لاحقاً من «جوقة» حزب الله، وما بين التهديدات الأمنيّة «الداعشيّة» الخطيرة التي يجري الحديث عنها والتحذير منها يوميّاً وتهديد حزب الله وعدم مبالاته بتدمير لبنان إقتصادياً، لولا إطلالة الرئيس سعد الحريري وكلمته القصيرة، لبدا الواقع اللبناني شديد السّوداويّة، هذا إن لم يكن بات الأفق أسودَ أكثر ممّا نظنّ!!

نحن «نختنق»؛ النّاس شبعِتْ كلاماً، وتتوجّس خيفة من الانهيار والجوع واضطراب حبل الأمن، وندرك جميعاً أنّ لبنان رهينة حزب الله، وكلّ ممارسة سياسيّة بعيداً عن إيجاد حلّ جذري لـ»سرطان إيران» اللبناني، هي أشبه بالتدمير الذّاتي، ونحر للبلاد والعباد، ولنكن صادقين، هموم النّاس صارت في مكان آخر غير السياسيّة، لا ملامح للغد اللبنانيّ، والحديث عن رئاسة الجمهوريّة وانتخاب رئيس «مات»، الحكومة «غارقة» تلفظ أنفاسها من النفايات إلى «سدّ جنّة»، ووصلات «المزايدات» السياسيّة مستمرّة في استعراضات وزارية «مهزلة»!! منذ «زلزال» الانتخابات البلديّة، وصولاً إلى عدم الاتفاق على «قانون انتخاب نيابي» وتحويل الملفّ إلى طاولة الحوار، بأمانة نقول: «الانتخابات النيابيّة» ليست في مصلحة كلّ الفرقاء، فقد كشفت الانتخابات البلديّة عورات التمثيل الحقيقي، وتحذير الرئيس نبيه برّي من «ثورة بيضاء» جدّي جداً، ولكن لن َتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»…

قال الرئيس سعد الحريري بالأمس «لا هروب إلى الامام» وستقدّم الأيام المقبلة والملفّات التي سيتناولها الرئيس الحريري مادّة سياسيّة تشغل وتشعل السّجال الإعلامي وتفتح أبواب الأخذ والردّ، من «المناصفة» التي يُدرك اللبنانيون مسلمين ومسيحيين أن التفريط بها يعادل التفريط بلبنان، في لحظة يُصرّ فيها حزب الله على «دمار الهيكل» اللبناني، ولأوّل مرّة أميل إلى الظنّ أنّ كلام حزب الله عن «المثالثة» لم يكن أكثر من خداع وتمويه، حزب الله يريد لبنان بأكمله، وغير هذا الكلام نكون نضحك على أنفسنا وعلى اللبنانيين، وهذا ما يراهن عليه الحزب  في حربه في سوريا…

وأظنّ أنّ المناصفة ستحتلّ حيّزاً كبيراً من نقاش الأيام المقبلة، ما دام هناك خلاف حقيقي في ترجمة هذه المناصفة، فالأفرقاء المسيحيّون يريدون أن يختاروا ممثّليهم بأنفسهم وهذا الحقّ مكتسب وليس منّة من أحد، والتحالف الرباعي القديم وإن مات في ظاهر الصورة، إلا أنّه ما زال متمكناً من عقليّة «الرباعي» الذي يُريد المناصفة ويتمسّك بها على طريقة الوصاية السوريّة، فيختار هؤلاء ممثلي المسيحيّين بالنيابة عنهم، ويسعون لإقناعهم بأنّهم متمسكون بالمناصفة، لم يستطيع أي فريق سياسي من تجاوز ما فرضته الوصاية السوريّة، وللأسف نتائج الإنتخابات البلديّة وتحالفاتها ونتائجها فضحت المستور، وأسقطت ورقة التوت عن هشاشة هذه التحالفات، منذ قفزت إلى المشهد اللبنانيّ رائحة صفقة «جيلبير الشّاغوري ـ غطّاس خوري»، التي فجّرت التحالف الذي سعى بشّار الأسد وحزب الله لفكّه بكلّ ما أوتوا من قوّة وخبث وتآمر لتفجير تحالف سعد الحريري ـ سمير جعجع، وللحديث صلّة فهذا أمر يحتاج إلى مراجعة صادقة منذ العام 2005 .

»الحكمة ضالّة المؤمن»، وما أقلّ الحكماء في عصفورية لبنان الكبير، وفي استنباط الإمام محمّد بن إدريس الشافعي  عبرة، عندما طلب منه سائلوه أن يذكر لهم دليلاً على وجود الله عز وجل، ففكّر لحظة، ثم قال لهم: الدليل هو ورقة التوت. فتعجب الناس من هذه الإجابة، وتساءلوا: كيف تكون ورقة التوت دليلاً على وجود الله؟! فقال الإمام الشافعى: «ورقة التوت طعمها واحد؛ لكن إذا أكلها دود القز أخرج حريراً، وإذا أكلها النّحل أخرج عسلاً، وإذا أكلها الظّبي أخرج المسك ذا الرائحة الطيبة.. فمن الذي وحّد الأصل وعدّد المخارج؟!»… فتبارك الله سبحانه، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور…