يضيف «يوم الأرض» هذه السنة لنفسه، روح الأمل على صفة الفخر والبطولة. فيأتي هذا العام، ليتوج انتفاضة اختلطت دماء شبابها وفتياتها مع التراب. أمل يستعيد معه الشباب الفلسطيني، قضية هي جوهر القضايا العربية، يستعيدها من فك المشروع الأميركي ـ الصهيوني، المشروع الذي حاول وهو يحاول اليوم إزالة هذه القضية من الوجدان والوجود عبر خلق تناقضات وصراعات بديلة، وعبر تطوير ودعم إرهاب، يطال بممارسته سمعة المقاومة، أية مقاومة.
نعم أعاد الشباب الفلسطيني القضية الى وهجها. يقاوم أية محاولة أخرى، أميركية أو «عربية» هذه المرة لاختلاق الأولويات.
والأكثر دلالة في هذه الانتفاضة، أنها تضع بذور تحول جديد، في طبيعة القضية وشعارها في العودة الى فلسطين وبناء الدولة الوطنية المستقلة، مبشّرة بانتقال جديد يذكّر بمرحلة منتصف الستينيات وأوائل السبعينيات.
إن انتفاضة الشابات والشباب اليوم، أو هبّتهم، تبشر بمرحلة جديدة، من إعادة وهج القضية الفلسطينية، مدعمة من انتصارات حققها الشعب الفلسطيني نفسه، وأيضاً المقاومة اللبنانية والشعب اللبناني، وإصرار الشعوب العربية على رفع قضية فلسطين الى مرتبة الأولوية والجوهر. وبالتأكيد سيكون لهذه المرحلة تجليات، انعكاسها على البرنامج والإطار وبشكل خاص على القيادة الفلسطينية القادمة. وهذا الأمر لا يقاس بالأيام، بل يمكن القول إن المرحلة الجديدة قد بدأت.
&&&
وفي لبنان، تستمر روائح العفن والفساد، التي تظللها احتمالات تحلل الدولة بعد أزمة مؤسساتها الرئيسية، رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي ومجلس الوزراء، وآخر مظاهرها الفساد الذي طال قطاع الاتصالات والذي، إضافة الى جانبه المالي، يأخذ البعد الأمني والخرق الإسرائيلي جانباً أساسياً فيه، مع تطاير الاتهامات وتجهيل الفاعل والمتآمر على حد سواء.
وبعد فضيحة النفايات المستمرة، يطال العفن المؤسسات الأمنية عبر فضائح قوى الأمن الداخلي. في وقت بدأ الخطر الأمني بالاهتزاز من البوابتين الشرقية والشمالية مع استمرار التهديد الصهيوني.
وبرغم هذا السواد وبمواجهته، يبقى الأمل. وكما واجه اللبنانيون المراحل السوداء السابقة، يستمر تراكم الحراك الشعبي والسياسي باتجاه بلورة حركة ديموقراطية شعبية، تكون الحامل الاجتماعي لأي تغيير وإنقاذ وطني، باتجاه الدولة المدنية الديموقراطية.
فمع استمرار الاحتجاج على صفقة «المطامر»، وبشكل خاص مع تحركات أهالي الشويفات والضاحية والشحار في وجه مشروع مطمر «الكوستا برافا» والمساهمين في تغطيته والمستفيدين منه والساكتين عنه، أتى «اللقاء النقابي التشاوري» الذي ضم هيئات نقابية مستقلة، تربوية وعمالية، في القطاعين العام والخاص، ليشكل قاعدة لحراك نقابي ديموقراطي مستقل، دعا اللقاء ليكون اعتصام يوم 8 نيسان إشارة انطلاقه.
ولم تستطع السلطة المنشطرة، بفعل أزمتها وبفعل ارتباطاتها الإقليمية، منع سيرورة الانتخابات البلدية، حتى الآن، فأخذت مضطرة الإجراءات من أجل إجرائها.
ومع اعتقادنا، بأن هذه السلطة وأركانها، يراهنون وللأسف على تطورات قد تمنع، بدون تحميلهم المسؤولية هذه العملية، فإننا نعتقد بأن هذه السيرورة اصبحت في مراحل متقدمة، إلاَّ إذا انقذَتهم «داعش»، وليس بعيداً عنهم هذا الرهان.
إن الحراك الديموقراطي من أجل الانتخابات البلدية، في لقائه الذي تم بدعوة من الجمعية الديموقراطية للعمل البلدي، والذي سبقه اللقاء الذي دعت إليه حركة «مواطنون ومواطنات»، يشكل بداية لتشكيل نواة، لن يقتصر تأثيره على الانتخابات البلدية في تحصين عملية إجرائها أولاً وفي خوضها ثانياً، بل إنه نواة حقيقية لحراك بلدي يتقاطع ويتكامل مع الحراك الشعبي والحراك النقابي في تكوين الحركة الديموقراطية الشعبية.
إن هذه الانتخابات، يجب أن تكون محطة، تتم من خلالها محاسبة منطق المحاصصة الطائفية والمذهبية، التي شكلت وستشكل الثنائيات السلطوية قاعدتها، وهي كانت الأساس في تغييب البرامج التنموية عن اهتمام المجالس البلدية ومنعت من تكوين حراك بلدي يضغط على الحكومة ويمنعها من مصادرة أموال البلديات لمصلحة شركات أصحاب الدولة والمعالي وبشكل خاص سوكلين وما يشبهها.
&&&
إن بارقتي الأمل، كاد يعكّرهما، خبر أزمة «السفير»، إحدى الصحف التي كانت عبر تاريخها صوت المقاومة والتغيير إلى جانب «النداء».
صحيح أن أزمة «السفير» هي جزء من أزمة عامة تعانيها الصحافة المكتوبة في لبنان، خاصة تلك التي لا تفوح منها رائحة الكاز السعودي والإيراني والقطري وسواها، وكذلك أزمة الصحافة المكتوبة في كل العالم. ولكن «السفير» تعكس إلى ذلك أزمة تطال العمل الوطني والديموقراطي، وهي بشكل أساسي جزء من فساد هذه الدولة وسيطرتها على القطاعات بما فيها الإعلام وتحييدها للعمل النقابي، وخاصة لجهة مصادرة قرار ودور نقابة الصحافة وسواها من الأسباب.
والأزمة الحقيقية كانت، بشكل خاص، ستطال من بنى لـ «السفير» نهجها وخطها، سواء على مستوى القرار العام أو على مستوى دور الصحافيين والعاملين والموظفين الذين صنعوا تاريخ هذه الصحيفة وتحملوا كل الضغوط وقدّموا التضحيات، والذين هم مع «السفير» يستحقون كل التضامن.