عاش اللبنانيون الأسابيع الاخيرة من العام ٢٠١٧ مع شيء من كيمياء الودّ والوفاء والتكاتف الوطني بين معظم السياسيين والمواطنين خلال الازمة الاخيرة، بعد ان اكتشفوا ان لبنان مصاب بالسرطان السياسي، وذلك مع ظهور الكثير من الأورام السياسية في الجسد الوطني المنهك، والذي دخل مرحلة دولة الرجل المريض في جوار المشرق العربي المصاب بالسيدا السياسية، ذلك الفيروس الانتهازي الذي يبدّد مناعة الدول والمجتمعات كما حصل في سوريا والعراق.
سمي السرطان بالمرض الخبيث لأنه لا يعطي أعراضاً مسبقة او اوجاعاً تحذر من تعاظم الأورام والنتوءات والأحجام الغير طبيعية التي تهدد انتظام الحياة في الجسد الوطني، وكما سمي مرض السيدا بالفيروس الانتهازي لأنه يخبت بالجسد كالخلايا النائمة ثم ينقض عند اول حالة ضعف ويتسبب في نقص المناعة، ولقد كاد فيروس السيدا المشرقي الإنقضاض على الجسد اللبناني خلال الازمة الاخيرة، والفتك بالكبار والصغار من دون تمييز طائفي او مذهبي او حزبي او بين المحترفين والهواة.
يشعر قادة البلاد بالحيرة والإرباك حول كيفية التعامل مع لبنان دولة الرجل المريض، إذ يوجد مدرستان في معالجة الأمراض السياسية الخطيرة، الاولى تقول بعدم مصارحة المواطنين بالحقيقة كي لا يصابوا بالاكتئاب وتركهم يعيشون أيامهم الاخيرة بشيء من توهم القوة والسلامة والسعادة، وهناك مدرسة ثانية تقول بضرورة مصارحة المواطنين بحقيقة المخاطر الوطنية لكي يساهموا في عملية العلاج وتحقيق الشفاء، وذلك بالالتزام بقواعد السلامة الوطنية والابتعاد عن السياسات المسرطنة البغيضة والتي تتسبب في موت الأفراد والدول والمجتمعات.
حتى هذه الساعات الاخيرة من العام ٢٠١٧ لا يزال القادة السياسيون يكتمون على اللبنانيين حقيقة ما يعاني منه لبنان من أورام سياسية تهدد حياة الدولة الوطنية، والتي تحتاج الى معالجات مكثفة بدءاً من الفرد اللبناني عبوراً الى المجتمع ومكوناته وصولاً الى الدولة، وضرورة تعزيز المناعة الوطنية حيث لم تعد تنفع المعالجات بالوصفات الشعبية اللبنانية من الاجتماعات الفولكلورية الى الشطارات السياسية والميثاقية والحقوق الطائفية والمذهبية، التي لم تحقق سلامة الفرد والمجتمع والدولة.
ان لبنان بحاجة ماسة الى علاجات مكثفة بالكيمياء الانسانية الأخلاقية السياسية، لكي يستعيد الوفاء والمودة والمحبة والتعقل والألفة وقبول الآخر والتناغم بين المكونات الوطنية وتكامل وظائفها بما يعيد الحياة الطبيعية الى المجتمع الوطني ودولته، ومنع ترويج الكراهية والأحقاد، ولبنان بحاجة ايضا الى الرحمة والتواضع والتخلص من الأنا وتضخم الذات، وضرورة ذوبان الجميع في الذات الوطنية الواحدة الانسيابية والمتجددة، بعيدا عن اوهام الامتدادات على تنوعها والتي تشهد كل يوم تداعيات فوق تداعيات وكوارث جديدة بين الإخوة الأعداء، بالاضافة الى قرارات التهويد وضياع الحقوق والتضحيات ،وهشاشة دول الكبار والصغار، مع تعاظم مخيمات الذل والتشرد والضياع التي تغص بالأطفال والشيوخ والنساء والأمراض.
ان علاج دولة الرجل المريض في لبنان، لا يكون الا بالكيمياء الوطنية الانسانية الأخلاقية السياسية، التي تحصن الافراد والمجتمعات من خلال التجديد الدائم لمنظومة القيم الاخلاقية الوطنية والعقود الاجتماعية، التي ترشق المجتمعات وتحصّنها من الأورام السياسية والشخصية وتعزز المناعة الوطنية وتحد من الانتهازية المدمرة.
ان القليل من كيمياء المحبة والمودة والصدق والوفاء وحب الاوطان والحرص على سلامة الانسان، يمنع الكثير من فيزياء القوة والرعونة والقتل والدمار وتقطّع الأوصال والأورام والاحقاد وينقذ لبنان من السرطان السياسي.