Site icon IMLebanon

لبنان… ومشكلته التي مع نفسه قبل غيره

مشكلة لبنان ليست مع السعودية أو دولة الإمارات أو غيرهما من بلدان الخليج ولا فيها. مشكلته فيه ومع نفسه، وكل كلام غير ذلك يجافي الحقيقة من جهة أولى، ويدخل في باب التعمية والهروب الى الأمام من جهة ثانية. مشكلة لبنان، بتحديد أدق، هي أحد تجليات الإرث الذي خلفته فيه فترة وصاية الأسدين، الأب والابن، ثم تركه بعد رحيل الأول عن الدنيا والثاني عن لبنان، في عهدة أتباعهما بدءاً من «حزب الله» ثم بقية الشلة السياسية والمخابراتية والأمنية. هل نسي اللبنانيون أن الاسم الذي اتخذه هؤلاء لأنفسهم، ولحركتهم في ما بعد ( 8 آذار/ مارس) كان عنوانه الأساس «شكراً سورية»؟.

هذا لا يعني التقليل من مسؤولية اللبنانيين، من قوى 14 آذار الى 8 آذار وما بينهما، عما وصلت إليه حال بلدهم الآن، لكنه محاولة لإعادة الأمور الى أسبابها. والمسألة هنا لا تتعلق بما يعانيه لبنان سياسياً وطائفياً واقتصادياً/ اجتماعياً وأمنياً فقط، بل حتى في ما يتعلق بهويته وهوية شعبه الوطنية أيضاً.

مع ذلك، فليس تزييفاً للحقيقة القول إنه «واقع» في لبنان، وإن يكن محدوداً ومعزولاً، لكنه ليس واقع لبنان نفسه.

ذلك أن العروبة، حتى العروبة، التي تغطى بها النظام الأسدي منذ توليه السلطة في الثمانينات وأورثها الى مخلفاته وأتباعه في لبنان، ليست سوى وجهة نظر يتمّ التمسك بها تارة، وتختفي من الوجود تماماً تارة أخرى.

فيها، مثلاً، تصبح قضية العرب الأولى مجرد لافتة ترفع عند الحاجة، كما تغيّب عندها أيضاً. في سياقها، شن النظام وأتباعه في لبنان «حرب المخيمات» بعد فترة من الاجتياح الإسرائيلي وطرد منظمة التحرير الفلسطينية، وبعد أن طاردوا رئيس المنظمة ياسر عرفات، في أحياء طرابلس وأجبروه على الهجرة مجدداً منها. وفيه أيضاً، شن وعملاؤه من الفلسطينيين (تحت اسم «فتح الإسلام»، «فتح» وإسلام في وقت واحد) حرب مخيم نهر البارد ضد الجيش اللبناني في 2007. وليس بعيداً من ذلك، وقوفه في الثمانينات الى جانب إيران الفارسية في حربها مع العراق العربي، والبعثي مثله، من دون أن يرف له جفن… فقط لأنه كان على خلاف حزبي مع صدام حسين.

ولم يفعل اللبنانيون، ومعهم العرب، في ذلك الزمن سوى أنهم عضوا على الجراح لعل وعسى… كما كانوا يقولون!. خوفاً من آلة القتل والاغتيال السورية من جانب اللبنانيين، وخطأ من جانب العرب؟. ربما، لكن ذلك ما أوصل الأمور في لبنان الى ما هي عليه الآن.

فالعروبة، لدى «لبنانيي» النظام الأسدي خرجت عن كونها مجرد وجهة نظر، لا بالنسبة الى «حزب الله» الذي لم يعد يخجل بتبعيته الكاملة لـ «الولي الفقيه» الإيراني، ولا بالنسبة الى حلفائه الذين نطق بلسانهم أمام وزراء الخارجية العرب ومنظمة التعاون الإسلامي وزير الخارجية جبران باسيل. باتت «العروبة» لدى هؤلاء أقرب الى عداء للرابطة الوطنية اللبنانية والعربية، وليس فقط منهم وحدهم، بل حتى من شرائح أخرى طالما تمسحت بالعروبة والوحدة، مثل بعض اليساريين والبعثيين والقوميين السوريين. ألا يكفي دليلاً على ذلك نعت بعضهم العرب (بتعابير الغلاة من الفرس) بـ «العربان» تارة، و «البدو» تارة أخرى، و «التنابل» تارة ثالثة؟. وهل يبعد منه كثيراً قول وزير لـ «حزب الله» في جلسة للحكومة اللبنانية أنه، في مجال المفاضلة بين التزام الإجماع العربي وإيران، فهو يختار الوقوف مع إيران؟. وهل من معنى لتدخل «حزب الله» في سورية والبحرين واليمن والسعودية والعراق، غير هذا المعنى الإيراني من جهة والأسدي من جهة ثانية؟.

لكن هذا، مهما كان غريباً سياسياً وفادحاً وطنياً وقومياً، يبقى استثناء لا يزال حاملوه من اللبنانيين عاجزين عن الدفاع عنه. كل ما يقولونه لا يتجاوز الكلام على «المقاومة» أو حتى «الممانعة»، مع أنهم يعرفون أنهم يكذبون على أنفسهم، بقدر ما يعرفون في الوقت ذاته أن قليلين جداً من اللبنانيين يصدقونهم في ما يقولون.

وفي الفترة الراهنة تحديداً، حيث تختلط المصالح الشخصية (رئاسة الجمهورية) لدى البعض، والطائفية الضيقة (هيمنة المذاهب هنا وغيابها هناك) لدى البعض الآخر، والتخوف الأقلوي الفعلي كما المفتعل (هجرة المسيحيين من العراق وسورية)، وعدم الرغبة في الاصطدام بالقوة الميليشياوية لدى «حزب الله»، واستمرار الحرب السورية ومعها التدخل الإيراني والأسدي في الشؤون اللبنانية، يجد اللبنانيون الذين يصفون أنفسهم بـ «أم الصبي»، كما يقول المثل الشعبي، أن عليهم أن يمرروا المرحلة بأقل خسائر ممكنة: موقف «النأي بالنفس» على علاته، على رغم تفسير البعض له على هواه من ناحية، وتدخل الفريق الإيراني/ الأسدي حيث لا يجب أن يتدخل، أو حتى لا يجب أن يكون أصلاً من ناحية أخرى.

هذه هي مشكلة لبنان في الفترة الحالية، وهي مع نفسه أولاً وأخيراً قبل أن تكون مع السعودية وبلدان مجلس التعاون الخليجي، والتي يلعب فيها «حزب الله» (الى جانب «أنصار الله» في اليمن، و «عصائب أهل الحق» وأمثالها في العراق) دوراً تخريبياً بطلب من «الولي الفقيه» وفي خدمة مخططاته للمنطقة.

بكلمات أخرى: إن ما يقوم به «حزب الله» في لبنان لا يختلف في شيء عما يقوم به في دول المنطقة الأخرى، ولا جدوى للحرب ضده إن لم تكن مشتركة، وحتى واحدة، بين المتضررين من أفعاله وأفعال معلمه في طهران.