يشبه وضع لبنان السياسي اليوم، وضعه في مطلع ثمانينات القرن الماضي ما بعد اغتيال الرئيس بشير الجميل عام 1982 وتهجير القوات المتعددة الجنسيّة عام 1983 في مثل هذه الأيام من تشرين الأول، ثمّ الانقلاب الذي نفذته الميليشيات الشيعية بتوجيه ورعاية خمينية ـ أسدية في 6 شباط 1984 والذي كان النسخة الأولى من 7 أيار العام 2008 الذي أفضى لوضع اليد على الدولة اللبنانية، تلك سنوات عشناها طوال ثماني سنوات نعيدها اليوم بنفس الأسماء ونفس اللاعبين، تلك المرحلة التي أفضت إلى حرب مدمّرة تلاها اتفاق إقليمي ـ دولي، هو اتفاق الطائف الذي لم يجرؤ فيه أحد على تخليص لبنان من الاحتلال السوري!!
ثمّ قايض علينا العرب وأميركا مقابل مشاركة رمزية سورية صوريّة في «عاصفة الصحراء» لاستعادة الكويت من يد صدام حسين، لبنان اليوم متروك للفراغ وللإنهاك، المطلوب أن يستنزف حتى آخر قطرة ليخضع ويقبل بـ»الطائف الإيراني»، في انتظار»داعش» وتسويات المنطقة، ولنكون صادقين وللمناسبة «اتفاق الطائف» كان حلاً وهمياً، وهو يشبه مركباً من صنعه تركه مليئاً بالثقوب والعيوب، وعلينا أن نصدّق اليوم أننا كنّا في هدنة طويلة امتدت خمسة عشر عاماً، وانتهت بذاك الزلزال في 14 شباط العام 2005، وأول من التقط لعبة إسقاط الطائف كان النائب وليد جنبلاط الذي أدرك أن اغتيال الرئيس الحريري إسقاط لاتفاق الطائف، وللستاتيكو السياسي الذي كان قائماً طوال فترة الوصاية السوريّة!!
ولنكون صادقين علينا الإعتراف بأنّ دول الخليج العربي خسرت أمنها وباتت إيران مقيمة في «عبّ» هذه الدول، وتحديداً في «عبّ» المملكة العربيّة السعوديّة، لذا الزيارات «السياسية» للمملكة لن تقدّم ولن تؤخر في الواقع اللبناني، فقد أحكمت إيران قبضتها على لبنان، هذه هي الحقيقة الإقليميّة والدوليّة، وأترحّم كثيراً على الرئيس الراحل الياس الهراوي الذي أثار موجة غضب ونقمة عليه عندما قال مرّة إنّ «الشعب اللبناني لم يبلغ سن الرّشد»، وكان الرّجل محقاً فيما قال…
لم تتعلّم دول الخليج العربي من أخطائها منذ سبعينات القرن الماضي عندما تخلّوا عن لبنان لصالح المنظمات الفلسطينية وتركوه لياسر عرفات واكتفت دول الخليج بتزويد أبو عمّار بالمال ليريحوا رؤوسهم من»فلسطين» وشعبها فألقوا العبء على لبنان وتركوه فريسة الحرب الأهليّة، واكتفوا بتغيير وجهة اصطيافهم، وللمناسبة لبنان ليس بأغلى من فلسطين على الدول العربيّة!!
يُنسب الى الرئيس الأميركي جيمي كارتر، تشبيهه للبنان في العام 1978 بـ»القنفذ» الذي يخزك بأشواكه من أين أمسكت به، اليوم انتقلت الحال «القنفذيّة» إلى سوريا، فقد تخلّى الحكّام العرب عنها منذ بدايات الثورة السلميّة، لم يأخذوا موقفاً إيجابياً واحداً، وللأسف السوريّون ما زالوا كما كانوا في الستينات أهل انقلابات وانقسامات لا يستقرّ لهم إجماع على رأي، وهذه طبيعة مخيفة لشعب أسهم بنفسه في خلق نظام ديكتاتوري حكمه بالحديد والنار والقتل والتعذيب والمعتقلات، وهذا «التخاذل» العربي أفضى إلى حال عجز دوليّة عن فرض حلٍّ جديّ للحرب في سوريا الأمر الذي سمح لبشّار الأسد أن يتوحّش أكثر في قتل شعبه، بعد عام ونصف من الثورة ظلّ النظام القاتل مصرّاً على أنّه يواجه الإرهاب، وما زال كثيرون يتذكرون ذلك المؤتمر الصحافي لوليد المعلّم وزير الخارجيّة السوري الذي عرض فيه ڤيديوهات مفبركة للإرهابيين المفترضين ويحسب يومها للزميل طوني أبي نجم مدير موقع القوات اللبنانية آنذاك أنه وخلال أقل من عشر دقائق كشف للعالم زيف الڤيديوهات وأولها ڤيديو سحل وتعليق منفذ جريمة كترمايا، فاضحاً بذلك وليد المعلّم ونظامه الكاذب!!
تخلّت المملكة العربيّة السعوديّة عن لبنان، لم يكن ذلك التصريح الغاضب لوزير الداخلية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل في كانون الثاني من العام 2011 أن السعوديّة «رفعت يدها عن الوساطة التي أجرتها مع سورية لحلّ الأزمة في لبنان»، وتمّ استدراك التصريح لاحقاً، واليوم علينا أن نصدّق أن ما قاله الراحل سعود الفيصل كان الحقيقة ليس إلا… وتخلّت السعوديّة عن سوريا فتركت دورها لقطر التي عبثت كثيراً بالملف السوري ومدّت يدها إلى دول العالم العربي حتى بلغ عبثها مصر، في تحالف إخواني ـ تركي بالسياسة، وقطري بالتمويل، وقطف النظام السوري هذا «التجريب» والضعف العربي الذي سارع لإنقاذ مصر من براثن جماعة الإخوان المسلمين ولتعويم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمليارات الدولارات ظنّاً منهم أنّه سيخوض بالجيش المصري المواجهة العسكرية مع إيران بالنيابة عنهم، فاستيقظوا ذات صباح على سقوط اليمن كلّه في القبضة الإيرانيّة، هذه هي الحقيقة، التخلّي السعودي عن العراق وعن «غزّة» وحماس، وعن لبنان، وعن سوريا لإيران أوصل الأخيرة إلى حدود المملكة فاضطرّت السعودية أن تواجه بنفسها الخطر الإيراني الجاثم على حدودها!!
وفي انتظار تظهّر الصورة في سوريا وفي اليمن، أمام لبنان ما يقارب عامين من الفراغ الإنتخابي الرئاسي الأميركي الذي أحسن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإيران وبشّار الأسد في استثماره، فيما على العرب الحلفاء الذين تخلّت عنهم أميركا، ولم تنجح صفقات الأسلحة الملياريّة مع روسيا في إغرائها بالمال الخليجي!! هل خدعت أميركا «عرب الخليج»، أم أنهم خدعوا أنفسهم، أظنّ أن ما حدث هو «الأمران» معاً.. كان الله في عون لبنان وسوريا ودول الخليج العربي والمملكة العربيّة السعوديّة، جميعهم بلغوا حالاً يحتاج إلى معجزة إلهية لإنقاذهم، وللأسف «إحنا في زمان يا عالم مفيهش معجزات»!!