Site icon IMLebanon

لبنان وتحوّلات المنطقة: تفكيك النظام الإيراني وإضعاف امتداداته أولوية أميركية

لبنان وتحوّلات المنطقة: تفكيك النظام الإيراني وإضعاف امتداداته أولوية أميركية

نجاح قمّة سنغافورة بين ترامب وكيم جونغ أون سيُعطي دفعاً للاستراتيجية الأميركية تجاه إيران

 

قفز ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية وصولاً إلى مزارع شبعا ليس صدفة في توقيته والهدف سحب ذرائع «حزب الله»

الأنظار في الأيام المقبلة ستتركز على قمة سنغافورة بين زعيمي أميركا دونالد ترامب وكوريا الشمالية كيم جونغ أون. القمة ليست حدثاً عابراً، وسيكون لنجاحها تداعيات وتأثيرات مباشرة على ملفات مماثلة، رغم أن الحذر والتحوّط الأميركي واجب حيال التعاطي مع إحدى دول الشر والدول المارقة، لكن الانطباع السائد لدى مؤيدي ترامب أن الرجل ما كان ليخاطر برصيده لولا يقينه بأن بيونغ يانغ عازمة على تفكيك سلاحها النووي ولولا وجود التعهدات الكافية بذلك. تبقى المخاوف مشروعة نظراً إلى حجم التحوّل الذي سيحصل.

النتائج التي سيتوصّل إليها ترامب في ملف كوريا الشمالية النووي ستفتح الباب على مصراعيه للمقارنة مع النتائج التي توصل إليها المفاوضون في ملف إيران النووي. النموذج الكوري – إذا نجحت المفاوضات – سيؤول إلى تفكيك ترسانة السلاح النووي، وليس إلى تجميد تخصيب اليورانيوم لعشر سنوات، كما كان الحال مع الملف النووي الإيراني، مقابل رفع العقوبات المالية والاقتصادية عن طهران. هذا نجاح موصوف لترامب مقارنة مع ما حققه باراك أوباما، الذي تتكشف الفضائح يوماً بعد يوم حول التجاوزات التي أقدم عليها من أجل أن يحصد «اتفاقاً تاريخياً» قد يتحوّل إلى «لعنة» عليه.

نجاح العقوبات الاقتصادية على بيونغ يانغ كان المفتاح، معطوفاً على القرارات الدولية بشأن كوريا الشمالية التي لم  يعمد حليفاها الصيني والروسي إلى استخدام حق «الفيتو» على تلك القرارات. يجري تطويع كوريا الشمالية من باب عصا العقوبات وجزرة الحوافز. سيف استخدام القوة مصلت، ولكن على طريقة آخر الدواء الكيّ، وهو ما يجعل مؤيدي ترامب على قدر من الارتياح، ذلك أن المراوغة مع سيد البيت الأبيض لها عواقب وخيمة، وهو ليس من النوع الذي يخضع للابتزاز.

النقطة الأهم في ما يتعلق بالمنطقة تكمن في أن نجاح المفاوضات حول كوريا الشمالية سيعطي دفعاً للاستراتيجية الأميركية حيال إيران، الدولة الأخرى في محور الشر، وسيعطي قوة لحلفاء أميركا التقليديين، وتحديداً لدول الخليج وفي مقدمهم السعودية، التي تبني سياستها الراهنة على سبل مواجهة الخطر الإيراني الذي اخترق دول عدة في المنطقة وتمدد بشكل كبير وزعزّع استقرارها ولا يزال. وسيؤدي بالدول المترددة بالانخراط أكثر في الاستراتيجية الأميركية – الخليجية إلى الخروج من حال المراوحة. والمقصود في هذا الإطار مصر التي يتم الغمز من قناتها في تأخر تَشَكّل «ناتو عربي» كان من المفترض أن يكون حاضراً للعب دور في سوريا، ولا سيما في منطقة سيطرة النفوذ الأميركي.

الرهان، لدى متابعين أميركيين من أصل شرق أوسطي، هو على أن نجاح ترامب في ملف كوريا الشمالية سيؤدي إلى مزيد من التضامن ضمن محور الاعتدال العربي أولاً، وحول استراتيجية  واشنطن الشرق أوسطية ثانياً. التوقع أن يتعزز هذا المشهد بعد القمة الأميركية – الروسية المزمع عقدها مبدئياً في النصف الأول من تموز المقبل، ذلك أن  ثلاث مسائل رئيسية ستكون على جدول أعمالها، وفق المعلومات المستقاة من واشنطن، المسألة الأولى تتناول الاتفاق على خطة استراتيجية كاملة حول سوريا. الأميركيون حريصون على ضمان كلي لمصالح روسيا، وما يريدونه بشكل أساسي هو حكومة إنقاذية، حماية حق الأقليات، وحماية حدود إسرائيل، واللافت أن الحديث عن بقاء الأسد ليس مسلماً به!.

المسألة الثانية تتعلق بأوكرانيا ودول شرق أوروبا. بوتين يستشعر بحجم الضغوطات الأميركية عليه من بوابة ما يعرف بحدائق روسيا الخلفية. يُشكّل تزويد واشنطن لكييف بسلاح فتاك نموذجاً لأدوات الضغط. كذلك هو موقف بولندا الراغبة في وجود قاعدة عسكرية أميركية دائمة على أراضيها. الضغوط الاقتصادية تشتد على سيد الكرملين وتزيد من الارتدادات الداخلية لا سيما مع إحكام القبضة الأمنية وضيق مناخ الحريات في البلاد.

والمسألة الثالثة هي إيران. سيذهب ترامب إلى مزيد من التضييق على طهران. العقوبات ستكون أقسى. بالنسبة إليه، لا يمكن القضاء على الراديكالية السنية من دون القضاء على الراديكالية الشيعية. وجود الراديكالية الثانية يغذي تلك الأولى، ولا يمكن الوصول إلى تفكيك التنظيمات والبيئات السنية المتشددة ومطالبة الأنظمة بمناهج جديدة وبتغيير جذري والتحوّل نحو الإسلام الوسطي فيما يتم ترك «نظام الملالي». انسحاب واشنطن من الملف النووي هدفه محاصرة إيران وصولاً إلى تفكيك بنية النظام الديني الإيراني. بات الأمر مفصلياً بالنسبة لترامب. قد يكون يذهب إلى حد الطموحات القصوى ورفع السقوف، لكنه يعلم أن في يده أوراق قوة.

ما يجري في سوريا راهناً من مفاوضات في شأن جنوب سوريا لجهة انسحاب القوات الإيرانية وأذرعها العسكرية وما يتسرّب من معلومات عن الإخفاق في التوصل إلى اتفاق نتيجة المواقف الأميركية، وما جرى من ملابسات حول عملية انتشار روسي في القصير استهدف تقييد «حزب الله». كلها عوامل تشي بأن الأشهر المقبلة ستشهد مزيداً من الضغوط إلى حين تبلور الاتجاه الذي سيتحكم بالمنطقة المفتوحة على كمٍ من المتغيّرات والتبدّلات.

لا يزال من المبكر الحديث عن نهائيات منتظرة، سواء في سوريا أو العراق أو لبنان. حتى أن ملف ترسيم الحدود البحرية والبرية وصولاً إلى مزارع شبعا الذي قفز فجأة إلى الواجهة مع العرض الإسرائيلي ليس صدفة في توقيته. هو ملف كالجمر تحت الرماد، ذلك أن طموحات لبنان باستثمار الثروة النفطية دونه عقبات. الترسيم الشامل برعاية أممية يجد صدى واسعاً ضمن أركان الحكم الذين يريدون استخدام  الوسائل الدبلوماسية والتحكيم في الخلافات، ولكن ماذا عن «حزب الله»؟ هل هو فعلاً مع هذا الاتجاه، وإلى أي خيار سيلجأ إذا ما ظهر أن هذا الملف هو أحد الأدوات المستخدمة بتوقيته في عملية تضييق الخناق عليه وسحب الذرائع من يده؟