«مرحلة التحوّلات النوعية والمتغيّرات الجذرية قد بدأت في المنطقة، وكما تغيَّر المشهد في العراق في تحرير الموصل والإطاحة بداعش، ستتغيّر مشاهد أخرى في مناطق أخرى سواء في سوريا أو غيرها من دول المنطقة».
يؤكّد ذلك سفير دولة كبرى، ويربط تلك التحوّلات والمتغيّرات باللقاء بين الرئيسين الاميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين على هامش اجتماعات «مجموعة العشرين». حيث يعبّر السفيرعن إعجابه بوصفِ اللقاء بأنه «قمّة الخرائط الممزّقة». وقال إنه توصيف موفّق.
ولكنّه عندما يُسأل عن تفسيره لمعنى «الخرائط الممزّقة» وما إذا كان المقصود خرائط دول؟ أجاب: «أعربتُ عن إعجابي بالتوصيف، ولكن أنا لا أقرأ المستقبل، وأمّا الآن فلا أستطيع أن أعتقد أنّ المقصود هو خرائط دول معيّنة»!
اللقاء، وكما يَكشف السفير، كان استثنائياً، فالرئيسان لم يلتزما بالوقت المحدّد لاجتماعهما، أي لمدة ثلاثين دقيقة، بل إنّ النقاش والمحادثات بينهما قاربَت ثلاثَ ساعات، وتَوصّلا خلال هذا الوقت الى ما يمكن أن نسمّيها تفاهمات، وظلّت بينهما تباينات طبيعية، في ظلّ موازين القوى بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط، التي يبدو انّها تميل إلى الكفّة الروسية اكثر، وبسبب الضغوط على ترامب في الداخل الأميركي، من مستويات عسكرية وأمنية مسيطرة ما زالت تقارب العلاقة مع روسيا بمصطلحات الحرب الباردة.
ويلفت السفير إلى أنّ قمّة ترامب بوتين «أفضَت الى تفاهمات على تهدئة الأوضاع في الجنوب السوري، نَقلت واشنطن من داعمٍ عسكري لجماعات مسلّحة في سوريا، والرعاية السياسية للمحادثات المتعثّرة في جنيف، إلى خيار العمل مع روسيا لإنهاء هذه الحرب، وقد تلقّت موسكو بارتياح موقفَ الخارجية الاميركية التي ابدت استعداد واشنطن لدرس إمكانِ العمل مع روسيا لإرساء الاستقرار على الأرض بما يمهّد للتقدّمِ نحو اتّفاق حول المستقبل السياسي لسوريا».
إلّا أنّ السفير يرى أنّ الحذر يبقى واجباً، ربطاً بانقسام النظرة في واشنطن حيال «تفاهم ترامب بوتين»، بين فريق ينظر إليه بخيبة من تفاهمات لم يشارك البنتاغون في التخطيط لها، وبين فريق ترامب الذي يقدّمه كانتصار سياسي، وميداني»
وثمّة «واقع واضح» يشير إليه يعكسُ تزايُدَ ما يسمّيه سفير الدولة الكبرى «المأزق الأميركي في سوريا»، في ظلّ المتغيرات الميدانية الكبرى، والتي تجَلّت باستعادة الجيش السوري لمساحات واسعة من مناطق سيطرة المجموعات المسلحة.
وثمّة واقع آخر يعكس ما يسمّيه تزايد «النفوذ الروسي» في عملية التسوية، في ظلّ نجاح مسار أستانا في تثبيت وقفِ إطلاق النار، ومناطق خفض التوتّر، وفشل مسار جنيف، في ظلّ تشتّتِ فصائل المعارضة السورية، وهذا التشتّت مرشّح الى التزايد أكثر ربطاً بالأزمة الخليجية التي صَرفت الجانبين السعودي والقطري إلى أزمتهما المستجدّة وتَسبَّبت بالتالي بتراجعِ الدعم الخليجي لها. وربطاً بدخول تركيا طرفاً مباشراً في هذه الأزمة إلى جانب قطر.
ويدعو السفير إلى التعمّق في قراءة الحدث العراقي ومشهد تحرير الموصل، ويقول: يجب ان نصدّق الأرض أوّلاً قبل كلّ شيء، لا يخفى على احد انّ هناك منصّات دولية تحاول قلبَ الصورة عبر الترويج بأنّ تحرير الموصل هو انتصار اميركي، في حين انّ الميدان يؤكد للجميع وفي مقدّمهم الاميركيون حجمَ ونوعية الدور الكبير للحشد الشعبي في هذه المعركة، فضلاً عن انّ استعادة الموصل اعطَت زخماً كبيراً للمحور الذي تقوده ايران حليفة روسيا في الحرب الدائرة في المنطقة. فمَن انتصر في هذه الحالة؟
وعلى اهمّية إنجاز الموصل، فإنّ ذلك، وكما يقول السفير، لا يعني الانهيار الكامل لداعش الذي كان يقبض على الموصل، فثمّة معاقل اخرى له لا يُستهان بها، خاصة في المناطق الحدودية مع سوريا. ولا يجب إغفال الرقة التي تشكّل العاصمة الثانية للدواعش، والتي تتّجه نحو الحسمِ سواء عاجلاً أم آجلاً، والحسم فيها قد تحقّقه المجموعات الحليفة لواشنطن وسيشكّل انتصاراً لها حتماً، وكذلك انتصاراً للمحور الآخر.
ماذا عن لبنان؟
يؤكّد سفير الدولة الكبرى: «حالُ لبنان مختلف، فبرغم ما شهدَه خلال سنوات الأزمة من توتّرات وتفجيرات، لا يمكن اعتباره نقطةً ساخنة بقدر ما هو عليه الحال في محيطه، بل كان في موقع الصدى وبصورة متقطعة لِما يجري في سوريا.
ومن خلال معايشتِنا للبنان ووضعِه تَيقّنا أنّه الأسرعُ في تلقّي التداعيات وارتدادات أيّ حدثٍ خارجي، ومن هنا وكما كان في لحظة التوتّر في موقع المتلقّي والعاكس لِما يجري من حوله سيكون كذلك في مرحلة الانفراج وضربِ المجموعات الإرهابية».
ويضيف: «وضعُ لبنان ليس في الموقع الذي يبعث على الخوف عليه وعلى استقراره الداخلي، بل نعتقد أنّه مقبل على استقرار أكبر على المستوى الامني، وخصوصاً في ظلّ انقلاب الصورة الاقليمية عمّا كانت عليه سابقاً وما نسمعه عن تحضيرات جدّية لرفع الخطر الإرهابي المباشر عنه المتمركز فيما يسمّيها اللبنانيون «جرود عرسال»، وفي ظلّ ما نراه من عمليات نوعية للجيش اللبناني ضد المجموعات الارهابية في تلك المنطقة، وللاجهزة الامنية اللبنانية الاخرى في الداخل اللبناني ضد الخلايا الارهابية المشتّتة في أكثر من مكان فيه. علماً أنّنا لا نُسقط من احتمالاتنا بروزَ بعض الحالات الارهابية المحدودة، إلّا أنّنا مطمئنّون بأنّها من النوع القابل للاحتواء سريعاً».
في الخلاصة، يقول السفير: «نحن نعتقد أنّ لبنان محصَّن، وسيتحصّن أكثر، وطالما إنّ الإرهاب يَسقط وينهار في العراق وسوريا، فمِن الطبيعي أن يسقط هذا الإرهاب في لبنان، وبالتالي لا تكون له القدرة على الحياة والانتعاش